للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[قرى الأضياف]

وهناك لون من ألوان الجود، لقد أكثروا فيه القول وافتنّوا، وأطالوا في التفاخر به والإشادة بمحاسنه، وجعلوه عنوان الكرم والنجدة والمروءة ووضعوا له آداباً ودساتير. ذلك هو قرى الأضياف، ونحن فإنا نختار ذَرْواً من عبقرياتهم في هذا المعنى. وفيما يتأشّب إليه وينشعب منه والله المستعان. . .

معنى قرى الضيف: قال علماء اللغة: يقال: قَرى الضيفَ قِرًى وقَراءً: أضافه وأحسن إليه، واستقراني واقتراني وأقراني: طلب مني القِرى، وإنه لقَرِيٌّ للضيف، والأنثى قريّةٌ، وكذلك: إنه لمقرًى للضيف ومِقراء، والأنثى مِقراةٌ ومِقراء. . .

وأما بعد فقد قلنا في البخل إنه جِبِلّةٌ وإنّه الأصل وإنّ الناس لقد خُلقوا بُخلاء، إلى آخر ما قلنا صدرَ هذا الباب، وهذا الذي قلنا يقال في قِرى الأضياف، وأنَّ الأصل هو البخلُ بالقِرى، فلنورد عليك شيئاً مما قالوا في البُخل بالقِرى ثم نُردفه بالقول على الجود بالقِرى وحثِّهم عليه، والكلام يدخل بعضُه في بعض.

طرف من مُلَحِهم في ذلك: قال بعضُ البخلاء لغُلامه: هاتِ الطعامَ، وأغلق البابَ، فقال الغلام: يا مولاي، ليس هذا بِحَزْمٍ! وإنما أغلق البابَ، وأقدّم الطعامَ، فقال له: أنت حُرٌّ لوجه الله. . . وطبخَ بعضُ البخلاءِ قِدراً، وجلس يأكل مع زوجته فقال: ما أطيبَ هذا الطعامَ لولا كثرة الزِّحام! فقالت: وأيُّ زِحام وما ثمَّ إلا أنا وأنت! قال: أحبُّ أن