للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الحسن البصري: ما وعظني شيءٌ مثل ما وعظني كلامُ الحجّاج في خطبته: إن امرأً أتت عليه ساعةٌ من عمره لم يذكر فيها ربَّه أو يستغفر من ذنبِه أو يفكّر في معاده، لجديرٌ أن تطولَ حسرتُه يوم القيامة. . . وكان الحجاج بليغاً ومن مَصاقَعِ الخطباء، ومن كلماته

التي تُشبه كلمات الحسن البصري، وهي ممّا قاله على ذؤابة المنبر: أيّها الناس؛ اقْدَعوا هذه الأنفسَ، فإنّها أسأل شيءٍ إذا أعطِيت، وأمنعُ شيءٍ إذا سُئلت، فرحم اللهُ امرأً جعل لنفسِه خِطاماً وزِماماً، فقادها بخِطامها في الله، وعَطفها بزِمامها عن معصيةِ الله، فإنّي رأيت الصبرَ عن محارمِ الله أيسرَ من الصبرِ على عذابِه. . . اقْدَعوا: أي امنعوا، والخِطام: حبلٌ من ليف أو شعر أو كتان يُثنى طرفُه على مِخْطم البعير ليقادَ به، والزِّمام: حبلٌ دقيقٌ يُجعل في أنفه.

[الأيام تهدم الحياة]

قال حكيم: من كان الليلُ والنهارُ مطيَّته، سارا به وإن لَمْ يَسِرْ، أخذه الشاعر فقال:

رأيْتُ أخَا الدُّنيا وإنْ كان خافِضاً ... أخا سَفَرٍ يُسْرَى به وهْوَ لا يَدْرِي

خافِضاً: يريدُ مُقيماً في خَفْضٍ ودَعَةٍ.

وقالوا: أنفاسُ المرءِ خطاهُ إلى أجلِه، وأملُه خادِعُه عن عملِه؛ وقال الشاعر:

ما ارْتَدَّ طَرْفُ امْرِئٍ بِلَحْظتِه ... إلا وشَيْءٌ يَموتُ من جَسَدِهْ

وقال أبو العتاهية:

تَظَلُّ تَفْرَحُ بالأيّامِ تَقْطَعُها ... وكُلُّ يومٍ مَضى يُدْنِي من الأجَلِ