للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفاعيهم بكلِّ مَرْصد: فلانٌ قد وَكَّلَ بي لَحْظاً يَنْتَضِلُ بأسْهُمِ الحَسَدِ. . .

ومن وصاياهم في باب الحذر من الأعداء الحُسَّد قول أعرابيٍّ يعِظ رجلاً: ويحك، إنَّ فُلاناً وإن ضحك إليك، فإنّه يضحك منك، ولَئِنْ أظهر الشفقة عليك، إنّ عقاربَه لَتسري إليك، فإنْ لم تتخذْه عَدوَّاً في علانيَّتك فلا تجعلْه صديقاً في سريرتك. . .

وحذَّر بعض الحكماء صديقاً له صحِبَه رجلٌ، فقال: احذر فلاناً، فإنّه كثيرُ المسألة، حسنُ البحث، لطيفُ الاستدراج يحفَظُ أولَ كلامِك على آخِره، ويعتبر ما أخَّرْتَ بما قدَّمت، فلا تظهُرِنَّ له المخافةَ فيرى أنك قد تحرَّزت. واعلم أن من يقظة الفطنة إظهارَ الغفلةِ مع شدّة الحذر. فباثِّه مباثَّةَ الآمِنِ، وتحفّظ منه تحفُّظَ الخائِف. فإنَّ البحثَ يُظهر الخفيَّ الباطن،

ويبدي المستكنَّ الكامن.

هذا، وقد عقد الغزاليُّ للحسد باباً زاخِراً في كتابه الإحياء حلّل فيه على طريقته هذا الداء - داء الحسد - وبيّن أسبابَه وأعراضه وعلاجه ولماذا كان شائعاً بين الأقران والإخوة والأقارب فارجع إليه إذا أردت التّوسُّعَ في هذا الباب، ولنختر منه هذه الحكاية الطريفة، قال: كان رجل يغشى بعضَ الملوك، فيقوم بحذاء الملك فيقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، فإن المسيء سيكفيكَه إساءته، فحسده رجلٌ على هذا المقام، وذلك الكلام، فسعى به إلى الملك فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول، زعم أن الملك أبْخَرُ، فقال له الملك: وكيف يصحُّ ذلك عندي؟ قال تدعوه إليك، فإنه إذا دنا منك وضع يدَه على أنفه لِئلا يشمَّ ريحَ البَخَر، فقال له: