للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضرب به وجدَه دون ما بلغَه عنه، فكتب إليه في ذلك، فأجابه يقول: إنما بَعَثْتُ إلى أمير المؤمنين بالسيف ولم أبْعَثْ له بالسَّاعِدِ الذي يَضْرِبُ به. وسأله عمرُ يوماً عن السلاح فقال: ما تقول في الرُّمح؟ قال: أخوك ورُبَّما خانك فانْقَصف؛ قال: فما تقولُ في التُّرس؟ قال: هو المِجَنُّ وعليه تدور الدّوائر، قال: فالنَّبل؟ قال: منايا تُخْطِئ وتُصيب، قال: فما تقول في الدِّرع؟ قال: مَثْقَلَةٌ للرّاجِلِ مَشْغَلَةٌ للرّاكِبِ، وإنّها لَحِصنٌ حَصين؛ قال: فما تقول في السيف؟ قال: هُنالك قارَعَتْكَ أمُّك عن الثُّكل؛ قال: بل أمُّك! قال: بل أمُّكَ يا أميرَ المؤمنين! فَعَلاه أمير المؤمنين بالدِّرّة، وقيل: بلْ قال له - لمّا قال عمر بل أمُّك - قال: أمِّي يا أميرَ المؤمنين الحُمَّى أضْرَعَتْني لك أراد: أنّ الإسلامَ قيّدني، ولَوْ كنتُ في الجاهليّةِ لَمْ تُكلِّمني بهذا الكلام، وهو مثلٌ تضربُه العربُ إذا اضْطُرّت للخضوع.

ومثلُ ذلك قولُ الأغرِّ النهشلي لابنه لمّا بعثَه لحضور ما وقع بينَ قَومه فقال: يا بُنَيَّ، كُنْ

يَداً لأصْحابِك على مَنْ قاتَلَهم، وإيّاكَ والسيفَ فإنّه ظِلُّ الموتِ، واتَّقِ الرُّمْحَ فإنّه رِشاءُ المَنيَّة، ولا تَقْرَبِ السِّهامَ فإنَّها رُسُلٌ تَعْصي وتُطيع، قال: فبِمَ أقاتل؟ قال: بِما قال الشاعر:

جَلاميدُ أمْلاءُ الأكُفِّ كأنَّها ... رُؤوس رِجالٍ حُلِّقَتْ في المَواسِمِ