سرف الرحمة، فلا تجعلاه لكما إماما، فمن يفعل ذلك يلق أثاما، واعلما إن الفخر في الدنيا بالمال، وفي الآخرة بالأعمال، واحسن الافتخار الافتقار، وظهور الذل والانكسار، فقد قال من سال من بين أصابعه الماء المنهمر، الفقر فخري وبه افتخر، فمن كان عبد الله كان له به الافتخار، لا من كان عبد النفس أو الهوى أو الدرهم أو الدينار، فمن مناجاة على كرّم الله وجهه وزاده منه قربا، سيدي كفانا شرفا أن نكون لك عبيدا وكفانا عزا أن تكون لنا ربا.
وللقاضي عياض:
ومما زادني شرفا وتيها ... وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن صيرت أحمد لي نبيا
على أن مرآة الحق أرتني فضيلة تفضل بها أيها الماء، أخاك الهواء، وحققت لي بأنكما لستما في لفضل سواء، وهي أن الله خلق آدم من الماء، وخلق إبليس، فاعترف لأخيك بالفضل عليك ودع عنك زخارف التلبيس، فأكبر من الحق من قبله وأصغر من الباطل من عمله، والتذلل للحق أقرب للعز من التعزز بالباطل، وأعظم الزلات زلة العاقل.
فعند ذلك عدل الهواء عن هوجه واعوجاجه، ومخاصمته وعلاجه، وأقبل يقَّبل ذيل الماء ويعتذر إليه، من استطابته عليه، وأقبل كل منهما