للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَالنَّهْيُ) هذا عطفٌ على التمني، أي ومن أنواع الطلب النهيّ، من أنواع الطلب المنتخب الذي يتحدث عنه البيانيون تعلق به أحكام بيانية (النَّهْيُ) وهو طلب الكفّ عن الفعل. النهي ضد الأمر بمعنى أنه يقابله في التعريف وفي الأحكام المترتبة عليه في الجملة، طلب الكفّ عن الفعل تحريمًا أو كراهةً على جهة الاستعلاء على حد ما سبق في الأمر. والصحيح أنه لا يُشترط فيه علوٌ ولا استعلاء كالأمر، فإن صادف استعماله على سبيل الاستعلاء مِمن هو أعلى أفاد وجوب الترك المعبر عنه بالتحريم، وإلا أفاد طلب الترك فحسب، ثُمّ إن استعمل على سبيل التضرع سمي دعاءً، وإن استعمل من المساوي سمي التماسًا. يعني الكلام في النهي كالكلام في الأمر، والصحيح هنا كالصحيح هناك، أن هذا التقسيم حادث، يعني لا يعرف في لسان العرب، وإنما هو دخيلٌ عليها، وإلا إما أن يقال بأنه حقيقة أو مجازٌ، أم أنه [يسمى أمرًا ولا يكون] ويسمى نهيًا ولا يكون نهيًا حقيقةً؟ تقول: لا. وقول الناظم: (وَهْوَ مِثْلُهُ) أي مثل الأمر في الاستعلاء لأنه المتبادر إلى الفهم فهو طلب الكفّ عن الفعل استعلاءً. وقوله: (بِلاَ بَدَا) أي ظهر بلا، بدا بِلا يعني: أداته التي وضع في الدلالة على النهي هي لا الناهية الجازمة، وهو حرفٌ واحدٌ وهو لا الجازمة، نحو: لا تفعل {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: ١٣]، وفي عرف النحاة تسمى هذه الصيغة نهيًا، في أي معنًى استعمل كما يسمى افعل أمرًا وهذا هو الصحيح، يعني ليس عندنا التماسٌ ولا دعاء، تُسمى نهيًا في أي معنًى استُعمل، متى ما وجد طلب الترك سُمِّيَ نهيًا، كما أن صيغة افعل متى ما وجد الطلب طلب الفعل سُمِّيَ؟ سمي أمرًا.

وقد يخرج عن استعماله في طلب الكف إلى غيره وهذه كذلك يعتني به الأصوليون كالتهديد كقولك لعبدٍ لا يمتثل أمرك: لا تمثل أمري. كما يقول الأب لابنه: لا تذهب لا تذهب. يعني: تهديد هذا تخويف، فإنه ظاهرٌ أنه ليس المراد طلب كفِّه عن الامتثال، وإنما المراد به التهديد.

كالدعاء نحو: {لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: ٨] فإنه ظاهر أنه تضرع والتماس كقولك على سبيل التلطف لمن يساويك لا تفعل كذا أيها الأخ، دل على أنه التماسٌ وليس بنهيٍ، هذا جريٍ على التفصيل المشهور عندهم. إذًا (وَالنَّهْيُ وَهْوَ مِثْلُهُ بِلاَ بَدَا) وهذه مباحثها تكون في النحو على جهة التفصيل، وما يتعلق بها من أحكام في أصول الفقه (وَالشَّرْطُ بَعْدَهَا يَجُوزُ) والشرط يجوز بعدها أي بعد هذه المذكورات الأربعة ... (وَالشَّرْطُ بَعْدَهَا) أي بعد الأنواع الأربعة وهي:

التمني، الاستفهام، النهي، الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>