للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأول لا شك، والثاني مذهب المعتزلة وقال به أو أَوْمَئَ إليه بعض أهل السنة أيضًا، لأنهم وجدوا فيه معنًى بليغًا، والأصح الأول أنه ماذا؟ أنه لعجزهم وضعفهم، وهذا واضح لأن القرآن كلام الله، كلام الخالق، والبشر الذين هم ذوات كلامهم كلام مخلوق فلا يمكن أن يكون كلام المخلوق مساويًا ولو بوجه ما لكلام الخالق، أليس كذلك؟ لأن الكلام صفة للذات فإذا حصل التباين بين ذاتين فالتباين فالصفات من باب أولى، فإذًا لا يمكن أن يجيز العقل أصلاً أنهم يستطيعون في أنفسهم لأن المعنى في الصرف ماذا؟ أنهم يستطيعون قادرون على أن يأتوا بمثل القرآن كلهم لكن الله عز وجل صرفهم حجز بينهم وبين أن يأتوا بمثله، وهذا قولٌ باطل

وليس في طوق الورى من أصله ... أن يستطيعوا سورةً من مثله

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فالصواب المقطوع به أن الخلق كُلَهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك. فالصواب المقطوع به، لا شك في هذا. فالصواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك. ثم قال رحمه الله: بل ولا يقدر محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسُه من تلقاء نفسِه على أن يبدل سورةً من القرآن لأنه بشر وهو داخلٌ في كون كلامه صفةً لبشر والقرآن صفةٌ للخالق فتم تباين كلي بين الذات والذات وبين الصفة والصفات.

(بِسُورَةٍ حَصَلْ) الإعجاز بماذا حصل؟ حصل بسورةٍ، بسورةٍ واحدة، وإن حصل بالقرآن كله في آية الإسراء {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: ٨٨]. ثم لما عجزوا تحداهم بماذا بعشر سورٍ قال: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ} [هود: ١٣]. فعجزوا فتحداهم بماذا {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: ٢٣]. وهذا في سورة البقرة حينئذٍ صار التحدي في مكة وفي المدينة.

(بِسُورَةٍ حَصَلْ) أقل السور كم آية أقل سورةٍ؟

ثلاث آيات فحينئذٍ يحصل الإعجاز بماذا بثلاث آيات فأكثر، هل ورد تحديهم بآيةٍ واحدة؟ ورد في القرآن سورة، هل ورد التحدي بآية؟

هنا قال: (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ). يقتضي أنها أقل ما وقع التحدي به هو السورة، وأقل سورةٍ ما هي ثلاث آيات، فما كان من قدرها يحصل التحدي به وما كان أدنى من ثلاث وأدنى من السورة بآية من ضمن السورة لا يحصل الإعجاز به ولا التحدي به هذا مفهومه، لأنه قال: (بِسُورَةٍ حَصَلْ). اختصر على السورة نقول: لماذا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>