للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذِبه لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبهَا لَهُ الْمُرَاد بِهِ فِي إِظْهَار الْوُدّ وَالْوَعْد بِمَا لَا يَلْزَم وَنَحْو ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُخَادَعَة فِي مَنْع مَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ أَخْذ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

وانْظُرْ فِي حِكْمَةِ اللهِ - عز وجل - وَمَحَبَّتِهِ لِاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ كَيْفَ حَرَّمَ النَّمِيمَةَ وَهِيَ صِدْقٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إفْسَادِ الْقُلُوبِ وَتَوْلِيدِ الْعَدَاوَةِ وَالْوَحْشَةِ، وَأَبَاحَ الْكَذِبَ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا، إذَا كَانَ لِجَمْعِ الْقُلُوبِ وَجَلْبِ الْمَوَدَّةِ وَإِذْهَابِ الْعَدَاوَةِ.

والحرب هي الحالة التي كان الراهب يعتبر نفسه عليها مع المجتمع الذي يعيش فيه. ولتوضيح فكرة جواز الكذب في هذه الحالات الثلاث التي جاءت في الحديث نجد أن الجواز جاء بتلك الصيغة: «لاَ يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ فِى ثَلاَثٍ»، فالجواز هنا ليس أساسه أمر أو إباحة مطلقة ولكنه إباحة مقيدة بحالات محددة.

وليحذر كل مسلم الخروج عن حدود النصوص التي حددها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في جواز الكذب حتى لا تتسرب تلك الصفة إلى طبيعته فيكتب عند الله كذابًا.

آيات تعين على الصبر:

ومع شدة البلاء والأذى تظهر الآيات التى تعين على الصبر وتطمئن النفوس: «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: «اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ»، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: «أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ».

وهنا نَكتَشف أن الغلام كان قلقًا لتَلَقِّيه من الراهب والساحر في وقت واحد، ولقد كان من الممكن أن يستمر الغلام في تَلَقِّيه للدين والسحر دون قلق إذا كان يسمع للراهب والساحر بدون شعور أو تفكير لأن السماع حينئذ سيكون مجردًا من التأثر

<<  <  ج: ص:  >  >>