ولم أجد دليلا لمن قال بالاستحباب لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل الصحابة رضي الله عنهم، وغابة الأمر أن الغسل عندهم معلل، وهو من أجل الاجتماع وإزالة الرائحة الكريهة، ولم نلتزم هذا التعليل لأن من لازمه أنه إن لم يكن هناك رائحة غير طيبة فلا يشرع الاغتسال، ومن لازمه أيضا القول باستحباب الغسل لكل صلاة، وعلى ذلك فالأقوى عدم استحباب الغسل للكسوف والاستسقاء لعدم الدليل على ذلك كما أن إزالة الروائح الكريهة تكون بالطيب وبتغيير الملابس وغير ذلك، فإن تعين إزالتها بالاغتسال فلا شك أن إزالة الذي مرغب فيه.
قال الشيخ الحمد في "شرح الزاد": (وأما كونه يستحب له أن يغتسل فلا دليل عليه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من فعل أصحابه كما بين ذلك ابن قيم الجوزية. فاستحباب الحنابلة للاغتسال له لا دليل عليه، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم -: "متواضعاً متبذلاً " أي غير متزين في الهيئة " متخشعاً " أي مظهراً للخشوع " مترسلاً " أي على رسله في مشيه عليه السلام، ففيه استحباب ترك الزينة والغسل فيها، ألا أن يكون الأذى لا يزول إلا باغتسال فإنه ولا شك يستحب الاغتسال لإزالة الأذى الذي يؤذي المؤمنين عند اجتماعهم).
[مسألة - يستحب الاغتسال لجنون وإغماء.]
قال ابن ضويان في "منار السبيل"(١/ ٤٣): (لأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء متفق عليه. ولا يجب، حكاه ابن المنذر إجماعاً، قاله في الشرح).
وقد اختلف العلماء في بيان علة اغتساله صلى الله عليه وسلم في مرض موته، هل من أجل الإغماء أم للتنشط للصلاة، والأقوى أنه من أجل الحمى فهو من باب التداوي فكان صلى الله عليه وسلم يريد أن ينشط للصلاة ولكي يعهد للناس فروى الشيخان عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الحمى من فور جهنم فأبردوها عنكم بالماء».