قال ابن ضويان (١/ ١٧): (وكذلك ما تغير في آنية الأدم والنُحاس لأن الصحابة كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة ولم يكونوا يتيممون معها).
[مسألة - الماء المتغير بالريح من نحو ميتة لا يكره استعماله:]
وهذه حالة خاصة مما تغير فيه أحد أوصاف الماء - أي الريح - بنجاسة، ومع ذلك لا ينجس الماء بالاتفاق؛ لأن التغير لم يكن عن مخالطة، بل عن مجاورة، وينضبط المجاور بما يمكن فصله، والممازج بما لا يمكن فصله.
وصورة المسألة كأن يكون إلى جانب الماء جيفة، أو عذرة أو غيرهما، فتنقل الريح رائحة ذلك إلى الماء فتغيره، وأيضا كما لو سُدَّ فم الإناء بشجر أو نحوه فتغير منه الماء من غير مخالطة لشيء منه.
قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع"(١/ ٣٥): (ولا شكَّ أن الأَوْلَى التنزُّه عنه إن أمكن، فإِذا وُجِدَ ماء لم يتغيَّر فهو أفضل، وأبعد من أن يتلوَّث بماء رائحته خبيثة نجسة، وربما يكون فيه من النَّاحية الطبيَّة ضرر، فقد تحمل هذه الروائح مكروبات تَحُلُّ في هذا الماء). وكلام الشيخ العثيمين له وجه فالأولى ترك استعمال هذا الماء إن وجد غيره.
[مسألة - الماء المتغير بما يشق صون الماء عنه كطحلب وورق شجر ما لم يوضع، لا يكره استعماله:]
والحكم بعدم الكراهة هنا للمشقة الناتجة عن عدم انفكاكه وصعوبة التحرز منه، والمشقة تجلب التيسير، بعكس ما لو وضع قصدا، أو لم يكن مما يشق التحرز منه كما سيأتي.
لاحظ أن جمهور الحنابلة الذين قسموا الماء قسمة ثلاثية مثلوا للنوع الأول وهو الطهور ببعض المتغيرات وتحكموا في التفريق بين المتماثلات في التغير كأن يتغير عن مخالطة، أو عن مجاورة، وفرقوا بين ما يشق صون الماء عنه وما لا يشق، وبين وضع ما وضع قصدا، وما لم يوضع قصدا، وحكموا على بعضها بالكراهة، وبعضها بعدم الكراهة، وهذا مما يؤكد أن الراجح ما اختاره تقي الدين من أن قسمة الماء ثنائية، وقد سبق بعض كلامه.