وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا وصاحب السوداء تحدث له بكاء وجزعا وصاحب الدم تحدث له سرورا بقدر حاله فتجد منهم من يشتد بكاؤه ومنهم من يشتد صمته وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحدا ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور بعيد عن صدور البكاء والصمت وثانيهما أنا نجد شراب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح ويهجمون على الأمور العظيمة التي لا يهجمون عليها حالة الصحو، ولا نجد أكلة الحشيشة إذا اجتمعوا يجري بينهم شيء من ذلك ولم يسمع عنهم من العوائد ما يسمع عن شراب الخمر بل هم همدة سكوت مسبوتين لو أخذت قُمَاشَهُمْ أَوْ سَبَبْتَهُمْ لم تجد فيهم قوة البطش التي تجدها في شربة الخمر بل هم أشبه شيء بالبهائم ولذلك إن القتلى يوجدون كثيرا من شراب الخمر ولا يوجدون مع أكلة الحشيشة فلهذين الوجهين أنا أعتقد أنها من المفسدات لا من المسكرات ولا أوجب فيها الحد ولا أبطل بها الصلاة بل التعزير الزاجر عن ملابسها).
وقال أيضا:(١/ ٢١٦): (سئل بعض فقهاء العصر عمن صلى بالحشيشة معه هل تبطل صلاته أم لا؟ فأفتى أنه إن صلى بها قبل أن تحمص أو تصلق صحت صلاته أو بعد ذلك بطلت صلاته وقال في تعليل الفرق بأنها إنما تغيب العقل بعد التحميص أو الصلق أما قبل ذلك وهي ورق أخضر فلا بل هي كالعصير الذي للعنب وتحميصها كغليانه وسألت عن هذا الفرق جماعة ممن يعانيها فاختلفوا على قولين فمنهم من سلم هذا الفرق وقال لا تؤثر إلا بعد مباشرة النار ومنهم من قال بل تؤثر مطلقا وإنما تحمص لإصلاح طعمها وتعديل كيفيتها خاصة فعلى القول بعدم هذا الفرق تبطل الصلاة مطلقا وعلى القول بالفرق يكون الحق ما قاله المفتي إن صح أنها من المسكرات وإلا صحت الصلاة بها مطلقا وهو الذي أعتقده أنها مفسدة والمفسدة لا تبطل الصلاة كالبنج وجوزة بابل).
• والآن نعرض لكلام تقي الدين حيث قال - رحمه الله - في "مجموع الفتاوي"(٣٤/ ١٩٨): (الحشيشة المسكرة يجب فيها الحد؛ وهي نجسة في أصح
الوجوه؛ وقد قيل: إنها طاهرة، وقيل: يفرق بين يابسها