للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومائعها: والأول الصحيح لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر النيء؛ بخلاف ما لا يسكر بل يغيب العقل كالبنج؛ أو يسكر بغير (١) الاستحالة كجوزة الطيب؛ فإن ذلك ليس بنجس. ومن ظن أن الحشيشة لا تسكر وإنما تغيب العقل بلا لذة فلم يعرف حقيقة أمرها؛ فإنه لولا ما فيها من اللذة لم يتناولوها ولا أكلوها؛ بخلاف البنج ونحوه مما لا لذة فيه. والشارع فرق في المحرمات بين ما تشتهيه النفوس وما لا تشتهيه فما لا تشتهيه النفوس كالدم والميتة اكتفي فيه بالزاجر الشرعي؛ فجعل العقوبة فيه التعزيز. وأما ما تشتهيه النفوس فجعل فيه مع الزاجر الشرعي زاجرا طبيعيا وهو الحد "والحشيشة" من هذا الباب).

سوى تقي الدين بين الحشيشة والخمر في أنهما يسكران بالإستحالة بخلاف جوزة الطيب التي تسكر بغير إستحالة فحكم بنجاسة الأول وطهارة الثاني.

وهذا التفريق هو أحد قولي العلماء وأهل الخبرة في هذا الشأن والقول الثاني أنها تسكر بغير إستحالة، والمقصود بإستحالتها أنها لا تسكر إلا بعد معالجتها بالنار، ومن لازم هذا التفريق أن الحكم عليها بالنجاسة إنما يكون بعد معالجتها بالنار لا قبله وأنها طاهرة قبل ذلك كحال الخمر قبل أن يستحيل ويعالج بالغليان فالعنب طاهر.

• نعود الآن لتحرير كلام الماتن.

لو لاحظنا التعميم الذي في كلام الماتن فظاهره عدم التفريق في الحكم على الحشيشة بالنجاسة بين معالجتها بالنار، أو عدمه، ولازم قول تقي الدين: (والأول الصحيح لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر النيء) أنها نجسة بعد استحالتها ومعالجتها بالنار وأن هذه المعالجة بالنار لا تخرجها إلى حالة الميوعة بل هي مجرد تحميص لها.

ومن هنا يظهر وجه الفرق بين الحشيشة وغيرها من المسكرات الغير مائعة كالجوزة التي لا تسكر بغير الاستحالة.


(١) في الأصل: (بعد)، وكذا نقله عنه البعلي في "مختصر الفتاوى المصرية"، وما ذكرته هو الصواب كما نقله عنه إبراهيم بن مفلح في "المبدع" (٧/ ٤١٧)، وهو أيضا المناسب للكلام حتى يستقيم كما سيأتي.

<<  <   >  >>