للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمهور العلماء مع أنها ميتة موتا حيوانيا. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء} ... وإذا كان كذلك: علم أن علة نجاسة الميتة إنما هو احتباس الدم فيها فما لا نفس له سائلة ليس فيه دم سائل فإذا مات لم يحتبس فيه الدم؛ فلا ينجس. فالعظم ونحوه أولى بعدم التنجيس من هذا؛ فإن العظم ليس فيه دم سائل ولا كان متحركا بالإرادة إلا على وجه التبع. فإذا كان الحيوان الكامل الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه ليس فيه دم سائل: فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سائل؟ ... وإذا كان كذلك فالعظم والقرن والظُّفْر والظلف - أي الظُّفْر المشقوق للبقرة والشاة ونحوهما - وغير ذلك ليس فيه دم مسفوح فلا وجه لتنجيسه وهذا قول جمهور السلف).

قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (٢١/ ١٠١): (الجلد جزء من الميتة فيه الدم كما في سائر أجزائها والنبي صلى الله عليه وسلم جعل دباغه ذكاته؛ لأن الدباغ ينشف رطوباته؛ فدل على أن سبب التنجيس هو الرطوبات والعظم ليس فيه رطوبة سائلة وما كان فيه منها فإنه يجف وييبس وهو يبقى ويحفظ أكثر من الجلد فهو أولى بالطهارة من الجلد).

إذن الراجح أن عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها طاهر.

[مسألة - جلد الميتة نجس لا يطهر بالدباغ.]

هذا هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب، ومن الأدلة عليه ما رواه أبو داود وغيره عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ، قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: «أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ» صححه الشيخ الألباني.

وهو معارض بما رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟» فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: «إِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طُهُورُهُ» واللفظ لأبي داود.

وقد اختلف العلماء في الجمع بين الحديثين والأقوى أنه لا تعارض بينهما فإنما نهي النبي عن الإهاب وهو اسم للجلد قبل الدباغ وقرينة ذلك ذكر العصب معه وهو

<<  <   >  >>