للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مُنِيبًا) أَيْ رَاجِعًا قِيلَ التَّوْبَةُ رُجُوعٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَالْإِنَابَةُ مِنَ الْغَفْلَةِ إِلَى الذِّكْرِ وَالْفِكْرَةِ، وَالْأَوْبَةُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ وَالْمُشَاهَدَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي قَوْلِهِ أَوَّاهًا مُنِيبًا بِصِلَةٍ وَاحِدَةٍ لِكَوْنِ الْإِنَابَةِ لَازِمَةً لِلتَّأَوُّهِ وَرَدِيفًا لَهُ فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ.

(رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي) أَيْ بِجَعْلِهَا صَحِيحَةً بِشَرَائِطِهَا وَاسْتِجْمَاعِ آدَابِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتَخَلَّفُ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ.

(وَاغْسِلْ حَوْبَتِي) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُضَمُّ أَيِ امْحُ ذَنْبِي.

(وَأَجِبْ دَعْوَتِي) أَيْ دُعَائِي.

(وَثَبِّتْ حُجَّتِي) أَيْ عَلَى أَعْدَائِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى وَثَبِّتْ قَوْلِي وَتَصْدِيقِي فِي الدُّنْيَا وَعِنْدَ جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ.

(وَسَدِّدْ لِسَانِي) أَيْ صَوِّبْهُ وَقَوِّمْهُ حَتَّى لَا يَنْطِقَ إِلَّا بِالصِّدْقِ وَلَا يَتَكَلَّمَ إِلَّا بِالْحَقِّ.

(وَاهْدِ قَلْبِي) أَيْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

(وَاسْلُلْ) بِضَمِّ اللَّامِ الْأُولَى أَيْ أَخْرِجْ مِنْ سَلَّ السَّيْفَ إِذَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْغِمْدِ

(سَخِيمَةَ صَدْرِي) أَيْ غِشَّهُ وَغِلَّهُ وَحِقْدَهُ.

(ومن هنا يتضح أن التوبة، مبدأ طريق السالكين، ورأس مال الفائزين، وأول إقدام المريدين، ومفتاح استقامة المائلين، ومطلع الاصطفاء، والاجتباء للمقربين.

(ومنزل التوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقها العبد السالك ولا يزال فيه إلى الممات وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به واستصحبه معه، ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته، وقد قال تعالى:

{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: من الآية ٣١)

وهذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم، وهجرتهم، وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة وأتى بكلمة " لعل" إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون جعلنا الله منهم، وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: من الآية ١١)

<<  <  ج: ص:  >  >>