[قيل: فمن السفلة؟ قال: الذي يعيشون بدينهم] الذي يعيش بدينه، هذا يسمى سافل أي: أنه يتظاهر بالدين ليعيش به، تجده يتقرب إلى الناس ليعيش بدينه، ويتقرب إلى الظلمة ليعيش بدينه، فيفتي ويتكلم ويمدح وينافق ويجامل.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عباس بن عبد الله قال: قيل لعبد الله بن المبارك: من أئمة الناس؟ قال سفيان وذووه، وقيل له: من سفلة الناس؟ قال: من يأكل بدينه.
{تنبيه}: وكان ابن المبارك رجلاً يحفظ حق أساتذته ويجل شيوخه، فلم يكن يُحدث في وجود أحد منهم، ولكن محبيه طلبوا ذلك في وجود حماد بن زيد وهو من هو في ذلك العصر، فما عسى ابن المبارك أن يفعل؟!
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن إسماعيل الخطبي قال: بلغني عن ابن المبارك أنه حضرعند حماد ابن زيد فقال أصحاب الحديث لحماد سل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا فقال يا أبا عبد الرحمن تحدثهم فإنهم قد سألوني قال سبحان الله يا أبا إسماعيل أحدث وأنت حاضر فقال أقسمت عليك لتفعلن فقال خذوا حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد فما حدث بحرف إلا عن حماد.
لقد وجد ابن المبارك نفسه أمام قسم حماد، ولكن ما فعله يشهد له بسعة العلم ودماثة الخلق!!
وقد سُمع ابن المبارك يقول إعظامًا لقدر حماد بن زيد:
أيها الطالب علمًا .. ... .. إئت حماد بن زيد
فاستفد حلما وعلما. ... .. ثم قيده بقيد
وإن كان شعره هذا يشهد بالعلم لحماد بن زيد، فقد أحسن عندما قال عن أبي حنيفة:
رأيت أبا حنيفة كل يوم .. ... .. يزيد نبالة ويزيد خيرًا
لقد كان ابن المبارك خير من يعترف لأساتذته بالفضل وحسبه أن قال: "لولا أن الله عز وجل أغاثني بأبي حنيفة وسفيان كنت كسائر الناس".
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن المبارك قال من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته.
{تنبيه}: هذا كلام عجيب، يقول: من استخف بأهل العلم واستهزأ بهم ولم يتأدب معهم أذهب الله عليه آخرته؛ لأنهم خلفاء الأنبياء، ومن استهزأ بالسلطان وسخر منه ذهبت دنياه، يقول: احذروا السلطان واحذروا بطشه لأنه إذا قال فعل، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته، فيصبح بلا أخ.
(٤) جود ابن المبارك وسخاؤه رحمه الله:
أما عن جود ابن المبارك وسخاءه فحدث ولا حرج، فمواقف سخائه كثيرة مبثوثة في كتب التراث نذكر منها ما يلي: