ولما احتضر ابن المبارك في السفر قال: أشتهي سويقاً، كان جائعاً ويريد سويقاً، أي سويق الشعير الذي يلت بالتمر أو بغيره، قال: فلم نجده إلا عند رجل كان يعمل للسلطان ـ كان هذا الرجل يعمل عند السلطان صاحب السويق ـ وكان معنا في السفينة، فذكرنا لابن المبارك فقال: دَعَوه، فمات ولم يأكله، مادام يعمل هذا العمل أنا لا أريده، لا يدري من أين أتى الدخل، وهذه نظرية للسلف، لأنهم يقولون: الذي لا يظهر دخله أو يكون عند الظلمة ففي دخله شبهة، حتى إن الإمام أحمد ما رأى أن يمر على الجسر الذي بناه أبو مسلم الخراساني على دجلة، كان يأتي الإمام أحمد ببغلته من طريق بعيد ولا يمر على الجسر، قالوا: لماذا؟ قال:"بناه من الظلم من أموال المسلمين"، قالوا: ترى أن نصلي في مسجد أبي مسلم الخراساني، قال:"لا، لا تصلوا فيه" لأنه جزاه الله خيراً ما قصر، قتل ألف ألف من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بنى مسجداً، أي: قدم مشروعاً للأمة، بنى مسجداً جامعاً وذبح مليوناً من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المصلين الصائمين.
فلما بنى مسجداً قال الإمام أحمد:"لا تصلوا فيه" فكان الجسر هذا من المشاريع التي نفذها أبو مسلم على نهر دجلة، وكان الإمام أحمد إذا وصل إلى رأس الجسر ضرب البغلة وردها، انظر الورع حتى لا تمر البغلة من على الجسر، فابن المبارك وأمثاله يتورعون من هذا ويخافون كثيراً، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:١١٣].
وقد رأى الحسن البصري رجلاً ينظر إلى موكب ظالم، قال:[[لا تنظر إليه، قال: وماذا يضر النظر؟ قال: يقول الله: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا َتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:١١٣]
(٦) توقير ابن المبارك للحديث ولآل البيت:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن المبارك قال ليكن عمدتكم الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أحمد بن أبي الحواري قال: جاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله ابن المبارك ليسمع منه فأبى أن يحدثه فقال الشريف لغلامه قم فإن أبا عبد الرحمن لا يرى أن يحدثنا فلما قام ليركب جاء ابن المبارك ليمسك بركابه، فقال يا أبا عبد الرحمن تفعل هذا ولا ترى أن تحدثني فقال أذل لك بدني ولا أذل لك الحديث.