للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥٩٩٩ - ابْن عَبَّاسٍ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُالرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي فُلانٍ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلانًا، فَوَالله مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَاّ فَلْتَةً، فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ الله لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أمرهم. قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وإنهم الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حتى تَقُومَ فِي النَّاسِ، فأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يطير بها أولئك عَنْكَ كُلّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لا يَعُوهَا، وَأَنْ لا يَضَعُوهَا مَوضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِيَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وبضعوها عَلَى مَوَاضِعِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَالله إِنْ شَاءَ الله لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عُقْبِ ذِي الْحَجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْتُ بالرَّوَاحِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ.

زاد رزين: فخرجت في صكة عمي حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ جَالِساً إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ حذوه فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلاً قُلْتُ لِسَعِيدِ:

⦗٤٤٣⦘ لَيَقُولَنَّ العشية على هذا المنبر مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فَأَنْكَرَ عَلَيَّ وَقَالَ: مَا عسى أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا سَكَتَ المؤذن قَامَ فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ أَنْ أَقُولَهَا لا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لا يَعْقِلَهَا فَلا أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ عليه آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَالله مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ الله فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله، فالرَّجْمُ فِي كِتَابِ الله حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الإعْتِرَافُ، ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ الله: أَنْ لا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، أَلا وإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَقُولُوا: عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ ثُمَّ إِنَّهُ

بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ والله لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلانًا فَلا يَغْتَرَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الله وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فيكم مَنْ تُقْطَعُ إليه الأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خيرنا حِينَ تُوَفَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ له: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا الأَنْصَارِ فَانْطَلَقْنَا، فلقيَنا مِنْهُمْ رَجُلانِ صَالِحَانِ فَذَكَرَا مَا تَمَالأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ، فَقَالا: لا عَلَيْكُمْا أَنْ لا تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَالله لَنَأْتِيَنَّهُمْ فأَتَيْنَاهُمْ فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا. قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَهُ. قَالُوا: يُوعَكُ. فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ وأَثْنَى عَلَى الله ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ الله وَكَتِيبَةُ الإسْلامِ،

⦗٤٤٤⦘ وَأَنْتُمْ يا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ منا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ فَإِذَا هُمْ أراداو أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ فكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ لي أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ.

فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَالله مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَاّ قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ. وَلَنْ تعرف العرب هَذَا الأَمْرَ إِلَاّ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَباً وَدَاراً، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ فَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا كَانَ وَالله أَنْ أُقَدَّمَ فَيُضْرَبَ عُنُقِي لا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللهمَّ إِلَاّ أَنْ تُسَوِّلَ لَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لا أَجِدُهُ الآنَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاخْتِلافِ.

فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ بايعه الأَنْصَارُ وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدًَا فَقُلْتُ قتله الله وَإِنَّا وَالله مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أمرنا أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنَا فَإِمَّا تابعناهم عَلَى مَا لا نَرْضَى وَإِمَّا أن نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونَ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلا يُتَابَعُ هُوَ وَلا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلا. للبخاري (١).


(١) البخاري (٦٨٣٠).