للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٦٣٦٧ - حليمة بنت الحارث: خرجتُ على أتانٍ قمراء في نسوةٍ من بني سعدٍ نلتمسُ الرضعاء بمكة في سنةٍ شهباء، لم تبق لنا شيئًا، ومعنا شارفٌ لا تبضُّ بقطرةٍ، وصبيُّ لا ننام من بكائه ما في ثدي ولا في شارفنا ما يغنيه من لبنٍ، فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأةٌ إلا عُرضَ عليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعةٍ من والد المولود، وكان يتيمًا فكنَّا نقول: ما عسى أن تصنع أمه حتى

⦗٥٢٥⦘ لم يبق من صواحبي امرأةٌ إلا أخذت صبيًا غيري، وكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئًا، فقلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك المولود فلآخذنه، فأتيته فأخذته، فرجعت إلى رحلي فقال زوجي: قد أخذتيه أصبت فعسى الله أن يجعل فيه خيرًا، فوالله ما هو إلا أن جعلته في حجري فأقبل عليه ثديي بما شاء الله من اللبن فشرب، حتى روي وشرب أخوه حتى روي، وقام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا هي حافٌ فحلب لنا ما شئنا، فشرب وشربت حتى روينا فبتنا ليلتنا تلك بخير شباعًا رواءً، ونام صبياننا يقول زوجي: والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نسمةً مباركةً، ثم خرجنا فوالله لقد خرجت أتاني أمام الركب حتى قطعته، حتى أنهم ليقولون: ويحك يا بنت الحارث، كفى علينا أليست هذه بأتانك التي خرجت عليها؟

فأقول: بلى وهي قدامنا حتى قدمنا منازلنا فقدمنا على أجدب أرضٍ وكانت غنمي تروح بطانًا حفلاً وتروح أغنامهم جياعًا هالكةً ما بها من لبنٍ فنشرب ما شئنا من لبنٍ، وما في الحاضر أحدٌ يحلبُ قطرةً فيقولون لرعائهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح (فيه) (١) راعي حليمة؟

فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه راعينا وتروح أغنامهم جياعًا وغنمي حفلاً، وكان - صلى الله عليه وسلم - يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، ويشبُّ في الشهر شباب الصبي في سنة، فبلغ سنًّا وهو غلامٌ جفرٌ فقدمنا على أمِّه فقال لها أبوه: ردي علينا ابني فلنرجع به فإنا نخشى عليه وباء مكة، ونحن أضن بشأنه لما رأيناه من بركته فلم نزل بها حتى قالت: ارجعا به. فرجعنا به فمكث عندنا شهرين، فبينا هو يلعبُ وأخوه يومًا خلف البيوت يرعيان بهما لنا؛ إذ جاءنا أخوه يشتد فقال: أدركي أخي القرشي قد جاءه رجلان، فأضجعاه فشقا بطنه فخرجنا نحوه نشتد فانتهينا إليه وهو قائمٌ منتقعٌ لونه فاعتنقه أبوه واعتنقته ثم قلنا: مالك أي بني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيضٌ فأضجعاني ثم شقا بطني، فوالله ما أدري ما صنعا فاحتملناه فرجعنا به يقول أبوه: والله يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب، فانطلقي فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما يتخوف عليه، فرجعنا به إليها فقالت: ما رد كما به وقد كنتما حريصين عليه؟ فقلت: لا والله إنا كفلناه وأدينا الحق الذي يجب علينا فيه، ثم تخوفت الأحداث عليه فقلنا: يكون في أمه. فقالت أمه: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره

⦗٥٢٦⦘ فوالله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره قالت: فتخوفتما عليه كلا والله إن لابني هذا لشأنًا ألا أخبركما عنه؟

إني حملت به فلم أر حملاً قط كان أخف ولا أعظم بركةً منه، ثمَّ رأيت نورًا كأنه شهابٌ خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصري، ثم وضعته فما وقع كما يقع الصبيان وقع واضعًا يده بالأرض رافعًا رأسه إلى السماء، دعاه والحقا بشأنكما. للموصلي والكبير (٢).


(١) من (أ).
(٢) الطبراني ٢٤/ ٢١٢، وأبو يعلى ١٣/ ٩٣ (٧١٦٣)، وذكره الهيثمي ٨/ ٢٢٠، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني ورجالهما ثقات.