للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٨٣١٨ - ابن عباس: رفعه: ((أول ما اتخذت النساءُ المنطق من قبلُ أمُّ إسماعيلَ، اتخذتْ منطقًا لتعفى أثرها على سارةَ، ثم جاء بها إبراهيمُ وبابنها إسماعيلَ وهي تُرضعهُ حتَّى وضعهما عند البيتِ عندَ دوحةٍ فوق زمزمَ في أعلى المسجدِ، وليس بمكةَ يومئذٍ أحدٌ وليس بها ماءٌ، فوضعهما هناك ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ وسقاءً فيه ماءٌ، ثم قفى إبراهيم منطلقًا، فتبعته أمُّ إسماعيلَ فقالت: يا إبراهيمُ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيسٌ ولا شيءٌ؟ فقالتْ له: ذلك مرارًا، فجعل لا يلتفتُ إليها، فقالتْ له: الله أمركَ بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعنا، ثم رجعتْ، فانطلقَ إبراهيمَ حتَّى إذا كان عند الثنيةِ حيثُ لا يرونهُ استقبل بوجههِ البيت، ثم دعا بهؤلاءِ الدعوات، فرفع يديه وقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّم ـ إلى - يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: من الآية٣٧] وجعلتْ أمُّ إسماعيلَ ترضعه وتشرب من ذلك الماءِ حتَّى إذا نفد ما في السقاءِ وعطشتْ وعطشَ ابنها وجعلتْ تنظرُ إليه يتلوى ـ أو قال يتلبطُ ـ فانطلقتْ كراهيةَ أن تنظرَ إليه، فوجدت الصفا أقرب جبلٍ في الأرضِ يليها، فقامتْ عليه، ثم استقبلتْ الوادي تنظر هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا، فهبطتْ من الصفا حتَّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم

⦗٤٠٤⦘ سعت سعى الإِنسانِ المجهودِ حتَّى جاوزتْ الوادي، ثم أتت المروةَ فقامتْ عليها، فنظرت هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبعَ مراتٍ؛ فلذلك سعى الناسُ بينهما، فلمَّا أشرفت على المروةِ سمعت صوتًا فقالتْ صهٍ تريدُ نفسَها، ثم تسمَّعت فسمعتْ أيضًا، فقالتْ: قد أسمعت إن كان عندك غواثٌ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزمَ، فبحث بعقبه ـ أو قال: بجناحهِ ـ ثمَّ ظهرَ الماءُ، فجعلتْ تحوضَه وتقولُ بيدها هكذا، وجعلتْ تغرفُ من الماءِ في سقائها وهو يفورُ بقدرِ ما تغرفُ،

ويرحمُ الله أمَّ إسماعيلَ، لو تركتْ زمزمَ -أو قال- لو لم تغرف من الماءِ لكانت زمزمُ عينًا معينًا، فشربتْ وأرضعتْ ولدها، فقال لها الملكُ لا تخافوا الضيعةَ، فإنَّ ههنا بيتًا للهِ يبنيه هذا الغلامُ وأبوه، وإنَّ الله لا يضيعُ أهله، وكان البيتُ مرتفعًا من الأرضِ كالرابيةِ تأتيه السيولُ فتأخذُ عن يمينه وعن شمالهِ، فكانتْ كذلك، حتَّى مرت بهم رفقةٌ من جرهم أو أهل بيتٍ من جرهمَ، مقبلين من طريقِ كداءَ، فنزلوا في أسفل مكةَ فرأوا طائرًا عائفًا فقالوا: إنَّ هذا الطائرَ ليدور على ماءٍ لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماءٌ فأرسلوا جريًا أو جريين فإذا هم بالماءِ، فرجعوا فأخبروهم، فأقبلوا وأمُّ إسماعيلَ عند الماءِ، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حقَّ لكم في الماءِ، قالوا: نعم، فألفى ذلك أمَّ إسماعيلَ وهي تحب الأنسَ، فنزلوا فأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتَّى إذا كان بها أهلُ أبياتٍ منهم وشبَّ الغلامُ وتعلَّم العربيةَ منهم وأنفسهم، وأعجَبهم حين شبَّ، فلمَّا أدرك زوجوه امرأةً منهم، وماتت أمُّ إسماعيلَ، فجاء إبراهيمُ بعد ما تزوجَ إسماعيلُ يطالع تركتَه، فلم يجد إسماعيلَ، فسأل امرأتهَ عنه، فقالت: خرج يبتغى لنا

وفي رواية: ذهبَ يصيدُ لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالتْ: نحنُ بشرٍّ، في ضيقٍ وشدَّةٍ، وشكتْ إليه، قال: فإذا جاء فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغيِّرُ عتبةَ بابه، فلمَّا جاء إسماعيلُ كأنه أنسَ شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحدٍ؟ قالتْ: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرتُه، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرتُه أنا في جهدٍ وشدَّةٍ، قال: فهل أوصاكِ بشيءٍ؟ قالتْ: نعم، أمرني أن أقرئك السلام، ويقول لك: غيِّر عتبةَ بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقكِ، الحقي

⦗٤٠٥⦘ بأهلكِ، فطلقها، وتزوَّجَ منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيمُ ما شاءَ الله أنْ يلبثَ، ثم أتاهم بعد فلم يجدهُ، فدخل على امرأتِه فسأل عنه، قالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحنُ بخيرٍ وسعةٍ، وأثنتْ على الله، فقال ما طعامُكم؟ قالتْ: اللحمُ، قال: فما شرابُكم؟ قالتْ: الماءُ، قال: اللهمَّ باركْ لهم في اللحمِ والماءِ، ولم يكنْ لهم يومئذٍ حبٌّ؛ ولو كان لهم دعا لهم فيه، فهما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكةَ إلا لم يوافقاه، قال: فإذا جاءَ زوجُك فاقرئي عليه السلامَ، وأمريه يثبتُ عتبةَ بابهِ، فلمَّا جاء إسماعيلُ قال: هل أتاكم من أحدٍ؟ قالتْ: نعم، أتانا شيخٌ حسنُ الهيئةِ، وأثنتْ عليه، فسألني عنك فأخبرتُه، فسألني كيف عيشُنا؟ فأخبرتُه أنا بخيرٍ، قال: فأوصاكِ بشيءٍ؟ قالتْ: نعم، يقرأُ عليك السلامَ ويأمرُك أنْ تُثبتَ عتبةَ بابك، قال: ذاك أبي، وأنتِ العتبةُ، أمرني أن أمسككِ، ثم لبثَ عنهم ما شاءَ الله، ثم جاءَ بعد ذلكَ وإسماعيلُ يبرى نبلا له تحت دوحة قريبًا من زمزمَ، فلما رآه قام إليه وصنعا كما يصنعُ الوالدُ بالولدِ، والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيلُ، إنَّ الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنعْ ما أمركَ ربُك، قال وتعينني؟ قال: وأعيُنك، قال: فإنَّ الله أمرني أن أبنيَ بيتًا ههنا وأشارَ إلى أكمةٍ مرتفعةٍ على ما حولها فعند ذلك،

ورفعَ القواعدَ من البيتِ، فجعل إسماعيلُ يأتي بالحجارةِ وإبراهيمُ يبنى، حتَّى إذا ارتفعَ البناءُ جاء إبراهيمُ بهذا الحجرِ فوضعه فقام عليه وهو يبنى وإسماعيلُ يناوله الحجارةَ، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: من الآية١٢٧] (١).


(١) البخاري (٣٣٦٤).