للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٨٤٢٣ - الحسن بن علي: سألت خالي هندُ بنُ أبي هالةَ التميميُّ وكان وصَّافًا عن صفةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أشتهي أنْ يصفَ لي منها شيئًا أتعلقُ به، فقال: كان - صلى الله عليه وسلم - فخمًا مفخمًا، يتلألأ وجهُهُ تلألأ القمرِ ليلةَ البدرِ، أطولُ من المربوعِ، وأقصرُ من المشذبِ، عظيمُ الهامةِ رجلُ الشعرِ، إن انفرقت عقيصتُه فرق وإلَاّ فلا، يجاوزُ شعرُه شحمةَ أذنيه إذا هو وفرة، أزهرُ اللونِ واسعُ الجبينِ، أزجُّ الحواجبِ، سوابغٌ من غيرِ قرنٍ، بينهما عرقٌ يدره الغضبُ، أقنى العرنينِ، له نورٌ يعلوه، يحسبُه من لم يتأمَّلُه أشمٌّ، كثُّ اللحيةِ، أدعجٌ سهلُ الخدين، ضليعُ الفمِ، أشنب، مفلَّجُ الأسنان، دقيقُ المسربةِ، كأنَّ عنقهُ جيدُ دميةٍ في صفاءِ الفضةِ، معتدلُ الخلقِ بادناً متماسكًا، سواءُ البطنِ والصدرِ، عريضُ الصدر، بعيدُ ما بين المنكبينِ، ضخمُ الكراديسِ، أنورُ المتجردِ، موصولُ ما بين اللبةِ والسُّرَّةِ بشعرٍ يجري كالخطِّ، عاري الثديينِ والبطنِ مما سوى ذلك، أشعرُ الذراعينِ والمنكبينِ وأعالي الصدرِ، (طويل الزندين) (١)

رحبُ الراحةِ، سبطُ القصبِ، شثنُ الكفينِ والقدمينِ، وسائرِ الأطرافِ، خصمانُ الأخمصين، مسيحُ القدمينِ ينبوعنهما الماءُ، إذا زالَ زالَ تقلُّعا، ويخطو تكفأ ويمشى هوناً، ذريعُ المشيةِ، إذا مشى كأنَّما ينحط من صببٍ، وإذا التفتَ التفتَ معاً، خافضُ الطرفِ، نظرُه إلى الأرضِ أطولُ من نظرهِ إلى السماءِ، جلُّ نظره إلى السماءِ، جُلُّ نظره الملاحظةُ، يسوقُ أصحابهَ، ويبدأ من لقيه بالسلامِ، ... قلتُ: صف لي منطقةُ قال: كان - صلى الله عليه وسلم - متواصلُ الأحزانِ، دائمُ الفكرةِ، ليست له راحةٌ، ولا يتكلَّمُ في غير حاجةٍ طويلُ السكوتِ يفتتحُ الكلام ويختمُه بأشداقهِ، ويتكلَّمُ بجوامع الكلمِ فصلاً لا فضولُ ولا تقصيرٌ دمثًا، ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمةَ وإنْ دقَّتْ، لا يذمُّ ذواقًا ولا يمدحُهُ، ولا تغضبُه الدنيا ولا ما كان لها، فإذا تعرَّض

⦗٤٢٦⦘ للحقِّ لم يعرف أحداً، ولم يقمْ لغضبه شيءٌ، ولا يغضبُ لنفسهِ ولا ينتصرُ لها، إذا أشارَ أشار بكفِّه كلِّها، وإذا تعجَّبَ قلبها، وإذا تحدَّث اتصل بها فضربَ بباطنِ راحتهِ اليُمنى باطنَ إبهامِه اليُسرى، وإذا غضبَ أعرضَ وأشاحَ، وإذا ضحكَ غضَّ طرفه، جُلُّ ضحكِهِ التبسمُ، ويفترُ عن مثلِ حبِّ الغمام، فكتمتُها الحسينَ زمانًا ثمَّ حدثتُه فوجدتُه قد سبقني إليه، فسألَهُ عمَّا سألتُه، ووجدتهُ قد سأل أباه عن: مدخَلِه، ومجلسهِ، ومخرجه، وشكله، فلم يدع منه شيئًا، ... قال الحسينُ: سألتُ أبي عن دخولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان دخولُه لنفسهِ مأذونًا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزلهِ جزأ نفسهُ [ثلاثةَ] (٢)

أجزاء: جزءًا للهِ، وجزءًا لأهلهِ، وجزءًا لنفسِهِ، ثم جزأ نفسهُ بينه وبينَ الناسِ، فيردُّ ذلك على العامَّةِ بالخاصَّةِ، فلا يدَّخرُ عنهم شيئًا، فكان من سيرتهِ في جزءِ الأمةِ إيثارُ أهلِ الفضلِ بإذنهِ، وقسمته على قدرِ فضلهم في الدِّينِ، فمنهم ذو الحاجةِ، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائجِ، فيتشاغلُ بهم ويُشغلهُم فيما يُصلحهُم والأمة، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقولُ: ((ليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، وأبلغوني حاجةَ من لا يستطيعُ إبلاغها إياي، فإنَّه من أبلغَ سلطاناً حاجةَ مْنَ لا يستطيعُ إبلاغها ثبَّتَ الله قدميه يومَ القيامةِ)) لا يُذكرُ عنده إلا ذلك، ولا يُقبلُ من أحدٍ غيرهُ، يدخلون رواداً، ولا يتفرقون إلا عن ذواقٍ، ٍويخرجون أدلةً، ... قال: فسألتُه عن مخرجهِ، كيف كان يصنعُ فيه؟ فقال: كانَ - صلى الله عليه وسلم - يخزنُ لسانه إلا مما يُعنيهم، ويؤلفَهُم ولا يفرقهُم ـ أو قال ولا ينفرهُم ـ فيُكرمُ كريمَ كلِّ قومٍ ويولِّيه عليهم، ويحذِّرُ الناسُ ويحترسُ منهم، من غيرِ أنْ يطوي عن أحدٍ منهم بشرِّه ولا خلقه، يتفقَّدُ أصحابه ويسألُ الناسَ عمَّا في الناسِ، ويُحسنُ الحسنَ ويصوِّبُه، ويقبِّحُ القبيحَ ويُوهنُه، معتدلُ الأمرِ غيرُ مختلفٍ، لا يغفلُ مخافةَ أن يغفلوا أو يملُوا لكلِّ حالٍ عنده عتاد، لا يقصِّرُ عن الحقِّ، ولا يجاوزهُ الذين يلونه من الناسِ، خيارهم وأفضلهُم عنده أعمَّهُم نصيحةً، وأعظمهُم عندهُ منزلةً أحسنهُم مواساةً ومؤازرةً، ... فسألتهُ عن مجلسهِ فقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجلسُ ولا يقومُ إلا على ذكرٍ، ولا يوطنُ الأماكنَ وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قومٍ جلس حيثُ ينتهي به المجلسُ ويأمرُ بذلك، ويُعطى كلَّ جلسائهِ نصيبه، حتَّى لا يحسبُ جليسُه أنَّ أحدًا أكرمَ عليه منهُ،

⦗٤٢٧⦘ من جالسهِ أو قاومه في حاجة صابره، حتَّى يكونَ هو المنصرفُ، ومن سألهَ حاجةً لم يردَّهُ إلا بها، أو

بميسورٍ من القولِ، قد وسعَ الناسَ بسطُه وخلقُه، فصار لهم أباً وصاروا عندهُ في الحقِّ سواءً، مجلسُه مجلسُ حلمٍ وحياءٍ وصبرٍ وأمانةٍ، لا تُرفعُ فيه الأصواتُ، ولا تؤبَّنُ فيه الحرمُ، ولا تنثى فلتاته، متعادلين متفاضلين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذوي الحاجةِ، يحفظون الغريبَ، ... قال: قلتُ: كيف كانتْ سيرتُه في جُلسائه؟ قال: كان - صلى الله عليه وسلم - دائمُ البشر سهلُ الخلقِ لينُ الجانبِ، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا صخَّابٍ ولا فاحشٍ، ولا عيابٍ ولا مدَّاحٍ، يتغافلُ عمَّا لا يشتهي، ولا يؤنسُ منه ولا يجيبُ فيه، قد تركَ نفسه من ثلاثٍ: المراءِ، والإِكثار، وما لا يُعنيه، وتركَ الناسَ من ثلاثٍ: كان لا يذمُّ أحدًا ولا يعيِّرهُ، ولا يطلبُ عورتهُ، ولا يتكلَّمُ إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلَّم أطرق جلساؤه كأنَّما على رءوسهم الطيرُ، وإذا سكتَ تكلَّمُوا ولا يتنازعون عنده الحديثَ، من تكلَّم عنده أنصتوا له حتَّى يفرغَ، حديثُهم حديث أوَّلهم، يضحكُ مما يضحكون منه، ويتعجَّبُ مما يتعجَّبونَ منه، ويصبرُ للغريبِ على الجفوةِ في منطقهِ ومسألتهِ، حتَّى إن كان أصحابهُ يستجلبونهُم، ويقولُ: إذا رأيتمُ طالبَ الحاجةٍ فأرشدوه، ولا يقبلُ الثناءَ إلَاّ من مكافئٍ، ولا يقطعُ على أحدٍ حديثهُ حتَّى يتجوَّزَهُ فيقطعهُ بانتهاءٍ أو قيامٍ، ... قال قلتُ: كيفَ كان سكوتُه؟ قال: كان سكوتُه - صلى الله عليه وسلم - على أربعٍ: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكرِ، فأمَّا تقديرُه: ففي تسويةِ النظرِ والاستماع بين الناسِ، وأمَّا تذكرُه أو قال تفكرهُ: ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلمَ في الصبر، فكان لا يُغضبُه شيءٌ ولا يستفزَّهُ، وجمع له الحذر في أربعٍ: أخذهِ بالحسنى ليُقتدي به، وتركه القبيحَ ليُنتهي عنه، واجتهاد الرأي فيما أصلحَ أمته، والقيام لهم بما جمعَ لهم الدنيا والآخرةِ (٣).

⦗٤٢٨⦘ للكبير.


(١) من (ب) ..
(٢) في الأصل (ثلاث) والمثبت من شمائل الترمذي (٣٣٧) ..
(٣) الطبراني ٢٢/ ١٥٥: وقال الهيثمي ٨/ ٢٧٨: فيه من لم يسم.