للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٨٨٣٧ - أبو ذر قال عبد الله بن الصامت قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا (١) عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ. فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا (٢)،فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا وَتَغَطَّى خَالُنَا بثَوْبِهُ فَجَعَلَ يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا. ومعهما، وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثِ سِنِينَ. قُلْتُ لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ تعالى قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي، أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ (٣) حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ فَقَالَ أُنَيْسٌ إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي، فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ (٤)

عَلَيَّ ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ الله أَرْسَلَهُ. قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ شَاعِرٌ, كَاهِنٌ، سَاحِرٌ. وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ (٥) الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ وَالله إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ فَأَتَيْتُ مَكَّةَ

⦗٥٤٢⦘ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَقُلْتُ أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: الصَّابِئَ الصَّابِئَ. فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ. فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ. فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ (٦) بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ (٧) جُوعٍ. فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ (٨) إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَصْمِخَتِهِمْ (٩)

فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ وَامْرَأَتَان مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ أِسَافًا وَنَائِلَةَ فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا فَقُلْتُ أَنْكِحَا إَحَدَهُمَا الْأُخْرَى فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا. فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي فَانْطَلَقَتا تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا. فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ قَالَ: مَا لَكُمَا: قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا قَالَ مَا قَالَ لَكُمَا قَالَتَا إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ وَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ ثُمَّ صَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ. فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله». ثُمَّ قَالَ: «ممَنْ أَنْتَ» قَالَ: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ. فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فقال «مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟» قَالَ: كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. «قَالَ فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟» قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَََنُ بَطْنِي وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ. فقَالَ: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ».

قال أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ الله، ائذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقَ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ َكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إِنَّهُ قََدْ وُجِّهَتُ إلِى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ عَسَى الله أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ» فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ قَالَ مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ

⦗٥٤٣⦘ وَصَدَّقْتُ فَأَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بْنُ رَخصَةَ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ، وَقَالَ نِصْفُهُمْ إِذَا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ الْبَاقِي، وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله إِخْوَتُنَا نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَأَسْلَمُوا. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «غِفَارُ غَفَرَ الله لَهَا وَأسْلَمُ سَالَمَهَا الله».

ومن رواياته: فتنافر إلى رجل من الكهان فلم يزل أخي أنيس يمدحه حتى غلبه فأخذنا صرمته (١٠).


(١) فنثا: من نثا الحديث والخبر إذا حدَّث به وأشاعه وأظهره. انظر " اللسان " مادة: نثا.
(٢) صرمتنا: بكسر الصاد، وهي القطعة من الإبل، وتطلق أيضًا على القطعة من الغنم. انظر " اللسان " مادة: صرم.
(٣) خفاء: بكسر الخاء، الكساء. انظر " اللسان " مادة: خبو.
(٤) فراث؛ أي فأبطأ. انظر " اللسان " مادة: ريث ..
(٥) أقراء الشعر: طرقه وأنواعه. انظر " اللسان " مادة: قرء.
(٦) عكن، واحد الأعكان وهي الأطواء في البطن من السَّمن. انظر " اللسان " مادة: عكن.
(٧) سخفة: من السخف، وهو ضعف العقل، ورقته. وسخفة جوع؛ أي رقته، وهزاله. انظر " اللسان " مادة: سخف.
(٨) إضحيان: مضيئة، لا غيم فيها. انظر " اللسان " مادة: ضحا.
(٩) أصمختهم: جمع صماخ .. وصماخ الأذن: الذي يفضي إلى الرأس، وقيل هو الأذن نفسها. والمراد هنا: أنهم ناموا نومًا عميق. انظر " اللسان " مادة: صمخ.
(١٠) مسلم (٢٤٧٣).