للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الموضع، واضمم إليه ما قدمنا في الضابط في كيفية الورع، والوقوف عند الشبهة إن كان أحد الدليلين يدل على التحريم أو الكراهة، والآخر على الجواز، إلى آخر ما تقدم هناك فإنك إذا ضممته إلى هذه الأقسام الستة المذكورة هنا، وتذكرت ما سبق من الاستدلال على كل قسم منها أنه من المشتبه لم يبق معك ريب في معرفة الفرق بين الحلال والحرام والمشتبه.

البحث الثالث: من أبحاث الجواب في الكلام على الصور التي ذكرها السائل - دامت فوائده - في سؤاله.

قال - عافاه الله تعالى -: هل المراد بالحلال والحرام والشبه فيما يتعلق بأفعال الآدميين، وسائر ما يباشرونه من المأكولات والمشروبات والمنكوحات، وسائر ما يتعلق به [من] (١) الإنشاءات والمعاملات؟.

أقول: نعم الشبه تكون في جميع هذه الأمور التي ذكرها، وقد تقدم التمثيل للمأكولات والمشروبات بلحم الخيل والضبع، وللمشروبات بالنبيذ والمثلث، ومثاله في المنكوحات للمجتهد إذا تعارض عليه الأدلة في تحريم نكاح الرضيعة التي أخبرت بوقوع الرضاع بينها وبين من أراد نكاحها المرضعة نفسها. فلم يترجح لديه أحد الدليلين، أعني: دليل قبول قولها، ووجوب العمل به لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "كيف وقد قيل" (٢)، ودليل عدم قبول شهادتها لكونها لتقرير فعلها. وكذلك المقلد إذا اختلف قول من يقلده في العمل بذلك، وعدم العمل به، فلا شك أن الإقدام على النكاح هاهنا


(١) زيادة استلزمها السياق.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٨٨) و (١٩٤٧ و٢٤٩٧، ٢٥١٦، ٢٥١٧، ٤٨١٦) وأحمد (٤/ ٧) وأبو داود رقم (٣٦٠٣) و (٣٦٠٤) والترمذي (١١٥١) والنسائي رقم (٣٣٣٠) عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي أهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة فسأله، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف وقد قيل؟! " ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره.