للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إقدام على أمر مشتبه، والورع الوقوف عند الشبهات.

ومثاله في الإنشاءات العقود الفاسدة إذا تعارض على المجتهد أدلة جواز الدخول فيها، وأدلة [١٧] عدم الجواز، وكذلك المقلد إذا اختلف قول من يقلده فلا شك أن الدخول في العقود الفاسدة من هذه الحيثية إقدام على أمر مشتبه، والورع الوقوف. وكذلك المعاملات: كالمعاملة ببيع النساء إذا تعارضت الأدلة في جوازه على المجتهد، واختلفت على المقلد أقوال من يقلده، فالأمر كذلك.

قال - عافاه الله -: وما المراد بالاتقاء للشبهة في ذلك؟ وما تمثيله؟ فهل المراد مثلا ما وقع لبعض العلماء أنه وقع نهب أموال في جهة من جهات الإسلام، بالقرب من بلده، فترك جميع المأكولات من اللحم والحب وسائر ما جلب إلى محله، واقتصر على أكل العشب سنة، وقد مقت عليه كثير من علماء عصره؟ ذكره ابن القيم، أو معناه في الكلم الطيب (١) .. انتهى.

أقول: لا شك أن ما كان مظنة للاختلاط بمثل تلك الأموال المنهوبة فاجتنابه الشبه الذي هو شأن أهل الورع، والإقدام عليه من الإقدام على الأمور المشتبهة، ولكن مع تجويز الاختلاط، وليس مثل ذلك من الغلو، ولا مما يكون ممقوتا على فاعله، لكن عدول هذا المتورع إلى أكل العشب لا شك أنه من الغلو (٢) في الدين، .............


(١) (ص ١٨ - ١٩).
(٢) الغلو في اللغة: "الارتفاع ومجاوزة قدر، يقال: غلا السعر يغلو غلاء وذلك ارتفاعه، وغلا الرجل في الأمر غلوا إذا جاوز حده". "معجم مقاييس اللغة" مادة (غلوي) (ص ٨١٢).
قال ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (١/ ٢٨٩): "الغلو: مجاوزة الحد، بأن يزاد في الشيء، في حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك".
قال الحافظ في "الفتح" (١٣/ ٢٧٨) الغلو: المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد.
قال ابن القيم في "مدارج السالكين" (٢/ ٤٩٦): "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين الجبلين والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين فكما أن الجاني عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد".