للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أباح له الشرع أن يتناول من المال الحرام البحت ما يسد به رمقه (١)، فكيف بما لم يكن من الحرام البحت، بل كان حلالا مختلطا بالحرام!.

قال - عافاه الله -: ومثلا لو علم أن له في صنعاء محرما، أو رضيعة فنقول: لا يجوز له الإقدام إلى تزوج امرأة على ظاهر الحديث، وإن غلب على الظن كونها غير رحمه. انتهى.

أقول: إذا كانت الرضيعة المذكورة في تلك البلدة بيقين، وكذلك المحرم فإن كان من فيها من النساء منحصرات بحيث يضطرب الظن، ويختلج الشك في كون المرأة التي أراد نكاحها قد تكون هي المحرم أو الرضيعة فالتجنب لنكاح نسوة ذلك المحل ليس من اتقاء الشبهة بل من اتقاء الحرام غير المجوز، فلا يجوز الإقدام، وإن كان من في ذلك المحل من النساء غير منحصرات (٢) بحيث لا يحصل للناكح ظن أن المنكوحة هي المحرم أو الرضيعة


(١) لقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) [الأنعام: ١١٩]. وقال تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) [البقرة: ١٧٣].
(٢) قال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٥/ ٢٨٦ - ٢٨٧): " ... وقد يكون هذا الشك له مستند ولكن الشرع عفا عنه لعظم الضرورة، كمن تحقق أن امرأة أرضعت معه والتبست عليه بنساء العالم، فإنا إن قطعنا عليه شهوته وحرمنا عليه نساء العالم جملة كان ذلك إضرارا عظيما وكلهن محلل، فلا يغلب حكم محرمة واحدة على مائتي ألوف محللات، ولو اختلطت هذه الرضيعة بنساء محصورات لنهي عن التزوج منهن، لأن الشك هاهنا له مستند وهو العلم بأن هناك رضيعة وقد شك في عينها وله قدرة على تحصيل غرضه، مع القطع بسلامته من الوقوع في الحرام بأن يتزوج من نساء قوم آخرين، وليس من الحرام في الدين أن يكون له طريقان في تحصيل غرضه:
أحدهما: محلل هو أسهل وأكثر، فإن وقع فيه قطع على عين التحليل.
ثانيهما: أقل وأندر وإن وقع فيه خاف أن يقع في عين الحرام، فيعدل عن المتحلل بما يجوز أن يكون محرما.
وبهذا فارقت هذه المسألة التي قبلها، لأنه متى اختلطت بنساء العالم لم يقدر على تحصيل غرضه بطريق أخرى. فوجب ألا يكون للشك تأثير. وإنما ارتبك بهذه المسألة طريقة تسلكها، وإلا فمسائل هذا النوع لا تحصى كثرة، ولكن أصول جميعها لا تنفك عن الأصول التي مهدت لها، وقد يقل الضرر بالتحريم في بعض المسائل ويعظم في أخرى ويتضح كون الشك له مستند في بعض المسائل وتخفى في أخرى، وقد تكثر أصول بعض المسائل، وقد تتضح مساواة الفرع للأصل وقد تخفى ... ". وانظر: "المفهم" (٤/ ٤٩٠ - ٤٩٢).