للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالاجتناب للنكاح من ذلك المحل هو الورع، وهو نفس اتقاء الشبهة، لأن الحلال البين هو نكاح من عدا الرضيعة أو المحرم من نساء البلد، والحرام البين هو الرضيعة أو المحرم، فمجموع من في البلد من الرضيعة وغيرها والمحرم وغيرها واسطة [١٩] بين الحلال والحرام، وما كان واسطة فهو المشتبه الذي يقف المؤمنون عنده. فهذا المثال هو من جملتها يصلح للتمثيل به لما نحن بصدده.

قال - عافاه الله -: أو يكون تمثيل اتقاء الشبه بأنه لا يقدم على الفعل المباح أو المندوب خوفا من عدم القيام بالواجب، أو فعل المحظور لو ترك التزوج بزائد على الواحدة خوفا من الميل عن أحد الضرتين، لأنه لا يأمن على نفسه تعدي الحمى الوارد في متن الحديث: "ألا وإن حمى الله محارمه". فنقول على هذا ينبغي عدم التزوج بزيادة على الواحدة، لا سيما مع ورود الدليل القرآني بقوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} الآية (١) انتهى.

أقول: نكاح ما فوق الواحدة من النساء إلى حد الأربع هو من الحلال البين بنص القرآن الكريم (٢)، وتجويز عدم العدل في الجملة حاصل لكل فرد من أفراد العباد، ولهذا


(١) [النساء: ١٢٩].
(٢) قال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء: ٣]. ونص الحديث النبوي.
منها: ما أخرجه الترمذي في صحيحه رقم (١١٢٨) وابن ماجه رقم (١٩٥٣) وأحمد (٢/ ١٣) والحاكم (٤/ ١٩٢ - ١٩٣) وابن حبان في صحيحه رقم (١٢٧٧) قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لغيلان لما أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسك أربعا وفارق سائرهن". وهو حديث صحيح.
ومنها: ما أخرجه أبو داود رقم (٢٢٤١) وابن ماجه رقم (١٩٥٢) والبيهقي (٧/ ١٨٣) من حديث الحارث بن قيس، وبعضهم يسميه: قيس بن الحارث، قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فأتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له فقال: "اختر منهن أربعا". وهو حديث حسن بمجموع طرقه.