للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نص الجواب]

أحمدك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على حبيبك ورسولك وآله. وقف الحقير على هذا البحث النفيس، فرأيت حاصل ما اشتمل عليه السؤال عن صحة الاستدلال بقوله تعالى: {أمر ألا تعبدوا إلا إياه} (١)، وبقوله تعالى: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} (٢) على ما ذكره أهل الأصول في المسألة المشهورة من كون الأمر بالشيء نهيًا عن ضده، أو يستلزمه، أو ليس كذلك.

وأقول: لا ريب أن محل النزاع هو كون أفعل الدال على الطلب (٣) بالفعل نهيًا عن ضده الذي هو عدم الفعل، أو مستلزمًا للنهي عن ذلك، أو ليس كذلك، مثلاً إذا قال زيد لعمرو: اضرب. هل يكون لفظ اضرب نهيًا عن ترك الضرب الذي هو ضد الضرب، أو مستلزمًا للنهي عن ذلك، أو ليس كذلك؟ فإذا قلت مثلاً: أمر زيد عمرًا بأن يضرب، فالمراد به أنه قال له: اضرب. وإذا قلت: أمر زيد عمرًا بأن لا يضرب، فالمراد أنه قال له: لا تضرب. وإذا قلت: أمر زيد عمرًا أن لا يضرب فالمراد أنه قال له: لا تضرب. وصيغته لا تضرب هي صيغة نهي بلا شبهة، وقد جعلها في هذا المثال تفسيرًا لما أخبر به من الأمر [٥].

فإذا كان المتكلم بذلك من هو من العرب الذين يحتد بكلامهم فلا ريب أن تفسير الأمر بما هو صريح النهي يدل على أنه يطلق الأمر على النهي، وأن المتكلم بصريح النهي يقال له آمر.


(١) [يوسف: ٤٠].
(٢) [هود: ٨٧].
(٣) انظر «البحر المحيط» للزركشي (٣/ ٤١٦ - ٤٢٠).
قال صاحب «الكوكب المنير» (٣/ ٥٥): أن الأمر الإيجاب طلب فعل يذم تاركه إجماعًا، ولا ذم إلا على فعل، وهو الكف عن المأمور به أو الضد، فيستلزم النهي عن ضده أو النهي عن الكف عنه.