للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفرقة الثالثة: سلكوا مسلك الزهد والعبادة والأخذ بالأسلم والأفضل في مسائل الاعتقاد، واستمروا على ذلك إلى أن ظهر فيهم موسى بن ميمون القرطبي (١) بعد الخمس مائة من سني الهجرة النبوية فردهم إلى التعطيل، فصاروا في أصول دينهم أبعد الطوائف من الحق. وكان هذا اليهودي موسى بن ميمون متزندقًا كما صرح بذلك جماعة من أحبار اليهود وغيرهم، وقد كانوا تفرقوا قبل وجود موسى بن ميمون تفرقًا آخر بعد ذلك التفرق الأول إلى:

شمعونية (٢)، وجالوتية (٣)، وفيومية (٤)، وسامرية (٥)، وعكبرية (٦)، وأصبهانية (٧)


(١) موسى بن ميمون بن يوسف بن إسحاق، أبو عمران القرطبي يهودي، ولد وتعلم في قرطبة وتنقل مع أبيه في مدن الأندلس، وتظاهر بالإسلام. وقيل: أكره عليه. «الأعلام» للزركلي (٧/ ٣٢٩ - ٣٣٠).
وقد تقدمت ترجمته في القسم الأول من «الفتح الرباني» (العقيدة) (ص ٤٩٦).
(٢) الشمعونية: نسبة إلى شمعون الصديق (ت ١٣٥ ق. م) من بقايا رجال الكنيس الكبرى والمؤسس للدولة الأسمونية أو الحشمتية في أيام المكابيين، واشتهر إطلاق اسم (الفريسيون) بالعبرية (فروشيم) على هذه الطائفة، ومعنى هذا الاسم أنهم المفروزون أو المنعزلون الذين امتازوا عن العامة، وهم طائفة علماء الشريعة من الربانيين قديمًا، ويطلقون على أنفسهم اسم (حسيديم) أي الأتقياء و (حبيريم) أي الزملاء.
انظر: «الفصل» (١/ ١٧٨). «الملل والنحل» (١/ ٢١٢). «الخطط» (٢/ ٥١٠) للمقريزي.
(٣) قال المقريزي في «الخطط» (٢/ ٤٧٨): الجالوتية تبالغ في التشبيه.
(٤) قال المقريزي في «الخطط» (٢/ ٤٧٨): الفيومية- بالفاء- فإنها تنسب إلى أبي سعيد الفيومي، وهم يفسرون التوراة على الحروف المقطعة.
(٥) تقدم ذكرها.
(٦) قال المقريزي في «الخطط» (٢/ ٤٧٨) العكبرية أصحاب أبي موسى البغدادي العكبري وإسماعيل العكبري، وهم يخالفون أشياء من السبت وتفسير التوراة.
(٧) الأصبهانية (العيسوية) أتباع إسحاق بن يعقوب (عويديا) المعروف بأبي عيسى الأصفهاني، من مواليد أصفهان ببلاد فارس، الذي ادعى النبوة وبأنه رسول المسيح المنتظر، ثم زعم بأنه هو المسيح المنتظر لليهود، وزعم بأن الله كلمه وأرسله ليخلص بني إسرائيل من السبي، فلذلك جمع جيشًا قوامه عشرة آلاف رجل لتحقيق أهدافه، إلا أنه انهزم في معركة الري وقتل فيها.
ويذكر الحبر القرائي القرقشاني أن أبا عيسى ظهر في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (٦٨٥ - ٧٠٥ م) ولكن الشهرستاني يقول: بأنه كان في زمن المنصور (٧٥٠ - ٧٥٤ م) وابتدأ دعوته في زمن آخر ملوك بني أمية مروان بن محمد (٧٤٤ - ٧٥٠ م) وقد رجحت دائرة المعارف اليهودية قول الشهرستاني على القرقشاني.
من أهم مبادئهم:
١ - ادعى أتباع أبي عيسى له المعجزات، واعتقدوا بأنه حي لم يمت، وأنه اختفى في كهف وسيظهر ليتم رسالته بإنقاذ اليهود.
٢ - أنكر أبو عيسى التلمود، وأدخل تعديلات كثيرة على الأحكام اليهودية ضمنها كتابه (سفر همصغوت) أي كتاب الوصايا، ومنها: أنه حرم الذبائح كلها ونهى عن أكل كل ذي روح على الإطلاق، وأوجب عشر صلوات على أتباعه وألغى الطلاق وغير ذلك من التشريعات التي خالف بها أحكام التوراة.
٣ - يعترفون بنبوة عيسى عليه السلام ونبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غير أنهم يقولون: بأنهما لم يؤمرا بنسخ شريعة موسى عليه السلام وبأن محمدًا لم يرسل إلا إلى العرب.
انظر: «الخطط» (٣/ ٥١٠)، «الفصل» (١/ ١٧٩)، «الملل والنحل» (١/ ٢١٥ - ٢١٦).