المنصف هذا بعين بصيرته، وليدع ما يعرض له من أسباب العدول عن الصواب؟ فالدين دين الله، والتكليف هو لعباد الله، والشريعة المطهرة الموضوعة بين ظهراني هذا العالم هي ما في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وليس أحد من العباد بمستحق للمجادلة والمصاولة عن وقله على وجه يستلزم طرح ما هو ثابت من الشريعة، فأهل العلم أحياؤهم وأمواتهم، وإن بلغوا في معرفة الشريعة المطهرة إلى حد يقصر عنه الوصف، وفي التقيد بها إلى مبلغ تضيق عنه العبارة [٧أ]، وفي جلالة القدر ونبالة الذكر إلى رتبة يضيق الذهن عن تصورها، فهم رحمهم الله متعبدون بهذه الشريعة كتعبدنا بها، وتابعون لا مبتدعون ومكلفون لا مكلفون. هذا يعلمه كل من لديه نصيب من علم الشريعة، ومع هذا فالخلاف قائم بين أهل البيت رضوان الله عليهم في هذه المسألة فضلا عن غيرهم.
قال الأمير الحسين في الشفا: فصل: فيمن أدرك ركعة من الجمعة ولم يدرك شيئا من الخطبة اختلف في ذلك علماؤنا رحمهم الله فقال يحيى: من لم يدرك من الخطبة قدر آية لم تصح منه الجمعة، وصلى أربعا، وبه قال ولده أحمد بن يحيى، فإنه قال: من لم يدرك شيئا من الخطبة يصلي الظهر أربعا عند القاسم، والناصر، وعند زيد بن علي أن من أدرك ركعة من الجمعة اضاف إليها أخرى، وأجزأته الجمعة. وبه قال المؤيد بالله والمنصور بالله (١)، انتهى كلامه.
(١) قال الشوكاني في السيل الجرار (١/ ٦١٢ - ٦١٣): قد عرفت مما أسلفنا أنه لم يصح شيء من تلك الشروط وأن إطلاق اسم الشروط عليها لم يدل عليه دليل يثبت به الوجوب فضلا عن الشرطية إلا الخطبتان، فقد قدمنا أن دليلهما قد يدل على وجوبهما، وبعد هذا كله تعلم أنه لا يضر اختلال شيء مما جعله شروطا، ثم حكمه على بعض الشروط بأنه يضر اختلاله قبل الفراغ وبعضها بأنه لا يضر بعد حكمه على الجميع بالشرطية - تحكم يأباه الإنصاف فإن الشرط هو ما يؤثر عدمه في العدم فكيف كان بعض الشروط مؤثرا وبعضها غير مؤثر، فهذا مع كونه تحكما مخالف لاصطلاح أهل الأصول والفروع. وأعجب من ذلك كله أنه لا دليل بيده يدل على ما ذكره لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف بل إيجاب فرض الجمعة وتتميمها ظهرا مخالف للدليل وهو ما أخرجه النسائي (٣/ ١٢ رقم ١٤٢٥) من حديث أبي هريرة بلفظ: ومن أدرك الركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة. ولهذا الحديث اثنا عشر طريقا صحح الحاكم ثلاثا منها وقال في البدر المنير: هذه الطرق الثلاث أحسن طرق هذا الحديث والباقي ضعيف - انظر التعليقة السابقة - ثم قال: فهذه الأحاديث تقوم بها الحجة ويندفع ما قاله المصنف صاحب الأزهار ويدل على ما دلت عليه هذه الأحاديث ما في الصحيحين - البخاري رقم (٥٨٠) ومسلم رقم (٦٠٧) وغيرهما - كأبي داود رقم (١١٢١) والترمذي رقم (٥٢٣) والنسائي رقم (٥٣٢) وابن ماجه رقم (١١٢٢) من حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، فإن صلاة الجمعة داخلة في هذا العموم ولا تخرج عنه إلا بمخصص ولا مخصص