للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقصده وزيارته، والدعاء عنده، والتوسل به، وأنت إن رجعت إلى نفسك وسألتها عن هذا المعنى فربما تقر لك به وتصدقك الخبر، فإن وجدت عندها هذا المعنى الدقيق الذي هو بالقبول منك حقيق فاعلم أنه قد علق بقلبك ما علق بقلوب عباد القبور، ولكنك قهرت هذه النفس الخبيثة عن أن تترجم بلسانك عنها، وتنشر ما انطوت عليه من محبة ذلك القبر، والاعتقاد فيه، والتعظيم له، والاستغاثة به، فأنت مالك لها من هذه الحيثية، مملوك لها من الحيثية التي أقامتك من مقامك، ومشت بك إلى فوق القبر، فإن تداركت نفسك بعد هذه وإلا كانت المسئولة عليك المتصرفة فيك المتلاعبة بك [٥٧] في جميع ما تهوى مما ما قد وسوس به لها الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

فإن قلت: رجعت إلى نفسي فلم أجد عندها شيئا من هذا، وفتشتها فوجدتها صافية من ذلك الكدر. فما أظن الحامل لك على المشي إلى القبر إلا أنك سمعت الناس يفعلون شيئا ففعلته، ويقولون شيئا فقلته. فاعلم أن هذه أول عقدة من عقد توحيدك، وأول محنة من محن تقليدك، فارجع تؤجر، ولا تتقدم تنحر، فإن هذا التقليد الذي حملك على هذه المشية الفارغة العاطلة الباطلة سيحملك على أخواتها فتقف على باب الشرك أولا، ثم تدخل منه ثانيا، ثم تسكن فيه وإليه ثالثا. وأنت في ذلك كله تقول: سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، ورأيتهم يفعلون أمرا ففعلته.

[أحوال الذي يقصد القبر ليدعو عنده]

وإن قلت: إنك على بصيرة في عملك وعلمك، ولست ممن ينقاد لهوى نفسه كالأول، ولا ممن يقهرها، ولكنه يقلد الناس كالثاني، بل أنت صافي السر، نقي الضمير، خالص الاعتقاد، قوي اليقين، صحيح التوحيد، جيد التمييز، كامل العرفان، عالم بالسنة والقرآن، فلا لمراد نفسك اتبعت، ولا في هوة التقليد وقعت،