للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: إن كان الاعتبار في مثل هذه الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالفاحشة عامة، والذين آمنوا عام، ومقتضى ذلك أن من أحب أن تشيع أي فاحشة في أي مؤمن فهو كما قال الله - سبحانه - من غير فرق بين فاحشة الزنا وغيرها، فما معنى قوله: لا ينتهض ذلك دليلاً! معللاً ذلك بأن شيوعها فيهم عبارة عن لحوق عارها لهم، وعار زنا المرأة لاحق برجالها ضرورة عرفية. فهب أن عار زنا المرأة لاحق برجالها فكان ماذا؟ هل هذا اللحوق ينفي لحوق غير ما هو من جهة النساء بهم، وهل يقول بمثل هذا عالم، ويورده في مقامات الكلام على كتاب الله - سبحانه - ويتكل في تخصيصه بمثل هذا الخيال الباطل رأيًا، ورواية، وقرآنًا، وإجماعًا! فانظر كيف وقع - رحمه الله - بهذا الكلام في بلية أشد مما فر منه، بينما هو يدعي أن الزنا لا يرى به الرجال إذا نسب إليهم بأسًا، إذ جاوز ذلك إلى أن كل فاحشة كذلك، زاعمًا أنه يلحق الرجال العار بما يقع من النساء من الفواحش، ذاهلاً عن كون تسليم هذا الزعم لا ينفي لحوق غير ما كان من طريق النساء بهم، لا عقلاً، ولا شرعًا، ولا عادة. ولا يدل على ما أراده بوجه من وجوه الدلالات.

ولقد أوقع - رحمه الله - نفسه في مضيق وليس العجب منه فقد يقع للعالم مثل هذا الكلام الساقط، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إنما العجب ممن يستحسن مثل هذا الكلام ويقول: إنه لا محيص منه، وأنه يلزم الناس العمل عليه إذا أنصفوا.

قال: وأما حد عمر لنفيع أبي بكرة وأخيه نافع، وشبل بن معبد حين نكل [٣أ] زياد عن الشهادة معهم على زنا المغيرة بأم جميل بنت محجن زوجة الحجاج بن عبيد حين أفهمه عمر رغبته في ستره كما ثبت ذلك عند الحاكم في المستدرك (١)، والبيهقي (٢)، وأبي .............................


(١) عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص " (٤/ ١١٧).
(٢) في " السنن الكبرى " (٨/ ٢٣٤) و (١٠/ ١٤٧).