للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي المسند (١) أيضًا «من ردَّته الطِّيرة من حاجة، فقد أشرك». قالوا: يا رسول الله، ما كفارةُ ذلك؟ قال: «أن يقول أحدهم: اللهم لا خيرَ إلا خيرُك، ولا طَيْرَ إلا طيرُك، ولا إلهَ غيرُك».

وأخرج أحمد (٢) من حديث أبي موسي قال: خطبَنَا رسولُ الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: ذاتَ يوم فقال: «يا أيها الناسُ اتَّقوا هذا الشركَ، فإنه أخفى من دبيبِ النملِ» ثم قالوا له: كيف نتجنَّبهُ وهو أخْفى من دبيب النمل؟ قال: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشركَ بك شيئًا نعلمُه، ونستغفرك لما لا نعلمُه». وقد رُويَ من حديث غيرهِِ. (٣)

إذا عرفتَ ما تضمنتْه كتبُ التفسير من الوجوهِ التي ذكرناها، وعرفت تقريرها على الوجه الذي قررناه، فاعلم أن هذه الأقوالَ إنما هي اختلافٌ في سبب النزولِ، وأما النظم القرآني فهو صالحٌ لحملهِ على كل ما يصدقُ عليه مسمَّي الإيمان مع وجودِ مسمَّى الشركِ، والاعتبارُ بما يفيده اللفظُ لا بخصوصِ السبب كما هو مقررٌ في موطِنهِ، فيقال مثلاً في أه الشرك أنه ما يؤمنُ أكثرهم بأن الله هو الخالقُ الرازقُ إلا وهو مشركٌ بالله بما يعبدهُ من الأصنام، ويقال في من كان واقعًا في شرك من الشرك الخفي وهو من المسلمينَ إنه ما يؤمن بالله إلا وهو مشركٌ بذلك الشرك الخفي. ويقال مثلاً في سائر الوجوه بنحوه هذا على التقريرِ الذي قررناه سابقًا، وهذا يصلح أن يكون وجهًا مستقلاً، وهو أوجَهُهَا وأرجَحُها فيما أحسبُ [٤].وإن لم يذكرُه أحدٌ من المفسرينَ.

فما قاله السائل ـ كثر الله فوائده ـ من أنه يُشكلُ وجوهُ اتَّصافِهم بالإيمان في حالٍ


(١) في (المسند) (٢/ ٢٢٠).
(٢) في (المسند) (٤/ ٤٠٣) وهو حديث صحيح وقد تقدم.
(٣) أخرجه أحمد (١/ ٩)، وأبو داود رقم (٥٠٦٧)، والترمذي رقم (٣٣٩٢)، والبيهقي في (السنن الكبرى) رقم (١/ ٧٦٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.