للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّضيُّ (١) وغيرُه، ومثَّلوا ذلك بقولهم: (زيدٌ وإن كان غنيًّا بخيلٌ)، و (لا تقُم من مقامك وإن أُهِنْتَ) وهذا باطلٌ لأن مقتضى ما في الجنةِ أن لا يظهر على وجهِ الأرض، إلا إذا جاء بدليله، وكان ينبغي أن يقال: لا يظهرانِ وإن كانا من أنهارِ الدنيا التي من شأن ما فيها أن يظهر نظرًا إلى وصفِهما بكونهما باطنينِ ... إلى آخره.

ويصير مفهومُهُ: وأما لو كانا من أنهار الجنةِ فعدمُ ظهورهما أولى وأحرى، وكل ذلك عرفت ما فيه.

قوله ـ أدام الله علاه ـ وعلى فرض عدم نقلِ ما ذكره صاحبُ القاموس لصاحب الصحاحِ عن غيرِه فهو أهل للاستقراءِ التامِّ، والبحثِ الكامل.

أقول [١٥]: حاصلُ الوجه الأولِ أن نسبةَ عالمٍ للغلطِ إلى عالم آخر غيرُ مقبولة، ولم يقل بها أحدٌ، ولا تطابقُ قاعدةً من قواعد العلومِ، سيَّما مثل نقل الجوهري: وحاصلُ الوجه الثاني أنه لا يقال للناقل العدْل إن نقلَه باطلٌ أو غلطٌ، حتى ينصبَ البرهانَ الصحيحَ. وهذا هو الحقُّ الحقيقُ بالقبول الذي بنى عليه الفحول، فكيف يصحُّ على هذا الفرضِ المذكورِ أن يقبلَ ما ذكره صاحبُ الصحاح من التغليظِ الصريحٍ، والحكم بالبطلانِ مجرَّدًا عن البرهان! لا يكفي في ذلك كونُه أهلاً للاستقراء التامِّ، والبحث الكامل، فإن الجوهريِّ بهذه المثابةِ، وهو قد بنى أنه إنما ذكر ما هو صحيح عن العرب، ولهذا سمَّى كتابه الصحاحُ، فلا يخلو هذا منافاة لحاصل الوجهينَ المتقدِّمين.

نعم قد يكون الغلط من الجوهري مما يعرفُه كلُّ من له أدنى عرفانٍ، فلا يحتاج مع ذلك إلى برهانٍ، كقوله (٢): عرفاتُ موضعٌ. بمنى سمَّيت به، لأن آدمَ وحوَّاءَ تعارَفَا بها وفي ..............................................


(١) انظر: (شرح كافية ابن الحاجب) (٤/ ٣٤٥ ـ ٣٥٨).
(٢) في (الصحاح) (٤/ ١٤٠١).