أما عناية الشوكاني- رحمه الله- بتوحيد الأسماء والصفات، فقد اعتنى به عناية فائقة، وأولاه اهتماما بالغا. وفيما يلي نسوق بعضا من كلامه.
قال رحمه الله:((اعلم أن الكلام في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات قد طالت ذيوله، وتشعبت أطرافه، وتناسبت فيه المذاهب، وتفاوتت فيه الطرائق، وتخالفت فيه النحل، وسبب هذا عدم وقوف المنتسبين إلى العلم حيث أوقفهم الله، ودخولهم في أبواب لم يأذن الله لهم بدخولها، ومحاولتهم لعلم شيء استأثر الله بعلمه، حتى تفرقوا فرقا، وتشعبوا شعبا، وصاروا أحزابا، وكانوا في البداية ومحاولة الوصول إلى ما يتصورونه من العامة مختلفي المقاصد، متبايني المطالب:
فطائفة: وهي أخف هذه الطوائف- المتكلفة علم ما لم يكلفها الله بعلمه إثما وأقلها عقوبة وجرما، وهى التي أرادت الوصول إلى الحق، والوقوف على الصواب، لكن سلكت فيه طريقة متوعرة، وصعدت في الكشف عنه إلى عقبة كؤود لا يرجع من سلكها فضلا عن أن يظفر فيها بمطلوب صحيح، ومع هذا أصلوا أصولا ظنوها حقا، فدفعوا بها آيات قرآنية، وأحاديث نبوية صحيحة، واعتلوا في ذلك الدفع بشبه واهية، وخيالات مختلة)) (١).
وقسم الشوكاني هؤلاء إلى طائفتين، ويقصد بهما: المعتزلة القدرية، والجبرية الجهمية، قال:
((الطائفة الأولى: هي الطائفة التي غلت في التنزيه، فوصلت إلى حد يقشعر عنده الجلد، ويضطرب له القلب، ومن تعطيل الصفات الثابتة بالكتاب والسنة ثبوتا أوضح من شمس النهار، وأظهر من فلق الصباح، وظنوا هذا من صنيعهم موافقا للحق، مطابقا لما يريده الله - سبحانه - فضلوا الطريق المستقيم، وأضلوا من رام سلوكها.
والطائفة الأخرى: هي الطائفة التي غلت في إثبات القدرة غلوا بلغ إلي حد أنه لا تأثير
(١) " التحف في الإرشاد إلى مذاهب السلف " للشوكاني وهي ضمن هذا القسم- العقيدة- لرقم (٣).