للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالِاتِّصَافِ بِهِ، فَهُوَ إِذًا الْعِلَّةُ فِي الثَّنَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَزِيَّةٌ على غيرهم، ومن (ثَمَّ) (١) صار العلماء حكاماً على الخلائق أجمعين قضاءاً أَوْ فُتْيَا أَوْ إِرْشَادًا؛ لِأَنَّهُمُ اتَّصَفُوا بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلَاقٍ فَلَيْسُوا بِحُكَّامٍ مِنْ جِهَةِ مَا اتَّصَفُوا بِوَصْفٍ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ مَعَ غَيْرِهِمْ كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِذْ لَا مَزِيَّةَ فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِيهَا، وَإِنَّمَا صَارُوا حكاماً (من جهة ما اتصفوا بالوصف الحاكم وهو العلم، وهذا التقرير غير محتاج إلى برهانٍ لوضوحه، ثم نقول بعد هذا لما صار أهل العلم حكاماً) (٢) على الخلق (ومرجوعاً) (٣) إليهم بسبب/ حملهم/ للعلم الحاكم، (لزم) (٤) مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ (حُكَّامًا) (٥) عَلَى الخلق إلا من ذلك الوجه، كَمَا أَنَّهُمْ مَمْدُوحُونَ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَيْضًا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّصِفُوا بِوَصْفِ الْحُكْمِ مَعَ فرض خروجهم عن صوب الْعِلْمِ الْحَاكِمِ، إِذْ لَيْسُوا حُجَّةً إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا خَرَجُوا عَنْ جِهَتِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونُوا حُكَّامًا؟ هَذَا مُحَالٌ.

وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الْعَالِمِ بِالْعَرَبِيَّةِ مُهَنْدِسٌ، وَلَا فِي الْعَالِمِ بِالْهَنْدَسَةِ عَرَبِيٌّ، فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ في الزائغ عن الحكم (بأحكام/ الشرع) (٦) حَاكِمٌ بِالشَّرْعِ، بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَاكِمٌ بِعَقْلِهِ أَوْ بِرَأْيِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، (فَلَا) (٧) يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ حُجَّةً فِي الْعِلْمِ الْحَاكِمِ/ لِأَنَّ الْعِلْمَ (الْحَاكِمَ) (٨) يُكَذِّبُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ.

ثُمَّ نَصِيرُ مِنْ هَذَا إِلَى (مَعْنًى) (٩) آخَرَ مُرتب عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَالِمَ بِالشَّرِيعَةِ إِذَا اتُّبِعَ فِي قَوْلِهِ، وَانْقَادَ إِلَيْهِ النَّاسُ فِي حُكْمِهِ، فَإِنَّمَا اتُّبِعَ من حيث


(١) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "ذلك".
(٢) ما بين () زيادة من (غ) و (ر).
(٣) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "مرجوعاً".
(٤) في (ط) و (خ) و (ت): "فلزم".
(٥) ما بين القوسين ساقط من (ط).
(٦) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الشرعي".
(٧) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فهنا".
(٨) زيادة من (غ) و (ر).
(٩) في (غ) و (ر): "نوع".