للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَكَذَلِكَ الإِنسان عُمُرُهُ مَسَافَةٌ، وَالْغَايَةُ الْمَوْتُ، وَدَابَّتُهُ نفسه، فكما هو مطلوب بِالرِّفْقِ عَلَى الدَّابَّةِ حَتَّى يَصِلَ بِهَا، فَكَذَلِكَ هُوَ مَطْلُوبٌ بِالرِّفْقِ (١) بِنَفْسِهِ حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهَا قَطْعُ مَسَافَةِ الْعُمُرِ؛ بِحِمْلِ التَّكْلِيفِ، فَنَهَى فِي الْحَدِيثِ عَنِ التسبُّب فِي تَبْغِيض الْعِبَادَةِ لِلنَّفْسِ، وَمَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ لَا يَكُونُ حَسَنًا.

وخرَّج الطبري (٢) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: لما نزلت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *} {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا *}: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَمُعَاذًا فَقَالَ: "انْطَلِقَا فبشِّرا، ويَسِّرا وَلَا تعسِّرا، فإِني قد أُنزلت عليَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا *}.

وخرَّج مُسْلِمٌ (٣) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ عَنْ أَبيه، عَنْ جَدِّهِ: أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "بشِّرا وَلَا تُنَفِّرا، ويَسِّرا وَلَا تُعَسِّرا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا".

وَعَنْهُ (٤): أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا بَعَثَ أَحداً مِنْ أَصحابه فِي بَعْضِ أَمره قَالَ: "بشِّروا وَلَا تُنَفِّروا، ويَسِّروا وَلَا تُعَسِّروا"، وَهَذَا نَهْيٌ عَنِ التَّعْسِيرِ الَّذِي الْتِزَامُ (٥) الْحَرَجِ في التعبد نوع منه.


(١) من قوله: "على الدابة" إلى هنا سقط من (خ) و (غ) و (ر)، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: كذا في الأصل!.
(٢) لم أجده في "تفسيره"، ولا في المطبوع من "تهذيب الآثار"، ولا في "تاريخه".
وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" (٦/ ٤٣٠)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١١/ ٢٤٧ ـ ٢٤٨ رقم ١١٨٤١)، كلاهما من طريق عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن شيبان، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
وعبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي هذا ضعيف؛ قال أبو حاتم: "ليس بقوي"، وضعفه الدارقطني في رواية، وفي أخرى قال: "متروك الحديث"، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه". انظر: "الضعفاء" لابن الجوزي (١٨٩٧)، و"ميزان الاعتدال" (٧٨٧١)، و"لسان الميزان" (٥١١٣).
(٣) برقم (١٧٣٣)، وأخرجه البخاري أيضاً (٣٠٣٨).
(٤) عند مسلم أيضاً (١٧٣٢).
(٥) في (غ) و (ر) و (م): "إلزام".