للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْضِ السَّلَاطِينِ فَسَأَلَهُ عَنِ الْوِقَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَاجَعَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ (وَقَالُوا لَهُ) (١): الْقَادِرُ عَلَى إِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ كَيْفَ يُعْدَلُ بِهِ إِلَى الصَّوْمِ، وَالصَّوْمُ وَظِيفَةُ الْمُعْسِرِينَ، وَهَذَا الْمَلِكُ يَمْلِكُ عَبِيدًا غَيْرَ مَحْصُورِينَ؟ فَقَالَ (لَهُمْ) (٢): لَوْ قُلْتُ لَهُ عَلَيْكَ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ لَاسْتَحْقَرَ ذَلِكَ وَأَعْتَقَ عَبِيدًا مِرَارًا، فَلَا يَزْجُرُهُ إِعْتَاقُ الرَّقَبَةِ، وَيَزْجُرُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.

فَهَذَا الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنْهَا الزَّجْرُ، وَالْمَلِكُ لَا يَزْجُرُهُ الْإِعْتَاقُ، وَيَزْجُرُهُ الصِّيَامُ. وَهَذِهِ الْفُتْيَا بَاطِلَةٌ/ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ/ بَيْنَ قائلَين: قَائِلٌ بِالتَّخْيِيرِ، وَقَائِلٌ بِالتَّرْتِيبِ، فَيُقَدِّمُ الْعِتْقَ عَلَى الصِّيَامِ، فَتَقْدِيمُ الصِّيَامِ بالنسبة (للغني) (٣) لَا قَائِلَ بِهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ شَيْءٌ يُشْبِهُ هَذَا، لَكِنَّهُ عَلَى صَرِيحِ الْفِقْهِ.

قَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ (٤): "حَنَثَ الرشيد في يمين فجمع العلماء فأجمعوا (على) (٥) أَنَّ عَلَيْهِ/ عِتْقَ رَقَبَةٍ. فَسَأَلَ مَالِكًا، فَقَالَ: صيام ثلاثة أيام. (فقال: ثم أنا معدم؟ وقال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} فأقمتني مقام المعدم؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين كل ما في يديك ليس لك فعليك صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) (٦). وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِسْحَاقُ بن إبراهيم من فقهاء قرطبة (٧).


(١) في (م) و (غ) و (ر): "وقال".
(٢) ما بين القوسين ساقط من (م) و (غ) و (ر).
(٣) في (غ) و (ر): "إلى الغني".
(٤) هو: يحيى بن عبد الله بن بكير المصري ولد سنة ١٥٥هـ سمع من مالك، والليث بن سعد وابن لهيعة وغيرهم، وأخرج له الشيخان وابن ماجه، ومات ٢٣١هـ. انظر: التاريخ الكبير (٨ ٢٨٤)، والجرح والتعديل (٩ ١٦٥)، وسير أعلام النبلاء (١٠ ٦١٢)، وتهذيب التهذيب (١ ٢٣٧).
(٥) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(٦) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(٧) هو: شيخ المالكية بقرطبة، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن مسرة التجيبي، فقيه قدوة، مات في ٣٥٢هـ، هكذا قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (١٦ ٧٩ ـ ٨٠)، وكرر ترجمته في (١٦ ١٠٧)، وذكر أنه توفي في ٣٥٤هـ، وذكر الضبي ترجمته في بغية الملتمس (١ ٢٨٧)، أنه توفي سنة ٣٥٢ هـ، ومثله الحميدي في جذوة المقتبس (١ ٢٥٨)، ومثله ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس (١/ ١٤٣).