هذا البيت حسن الصنعة والمعنى. يعني أن الناس كلهم كالبعران في عدم العقول، فهم يصلحون للركوب. وقال الصاحب بن عباد - رحمه الله - في رسالته في هذا البيت:(أراد أن يزيد على الشعراء في وصف المطايا، فأتى بأخزى الخزايا. لو استطعت. البيت. . . ثم قال: ومن الناس أمه فهل ينشط لركوبها. والممدوح أيضاً لعل له عصبة لا يحب أن يركبوا إليه. فهل في الأرض أسقط من هذا التسحب ولا أوضح من هذا التبسط).
وأي تبسط وتسحب على الممدوح ترى في هذا البيت. وليس كل من ذكر الناس بسوء أو بغير سوء فقد عنى جميعهم، حتى لا يشذ واحد، ولو أكده كل تأكيد. ولو توقى الشعراء هذا الباب لكانوا في حرج من جميع ما ينطقون به. ألا تراه قد قال في مرثية فاتك:
والناسُ أوضعُ في زمانك منزلاً ... من أن تُعاشرَهم وقدركَ أرفع
وهو أيضاً من الناس. أفتراه أيضا جعل نفسه وضيعا. وللشعراء قبله ما لا يحصى كثره. فعليه وحده يحرم هذا المجاز، والتأويل. وقد قال الله تعالى يخاطب مريم:(يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين). أفتراه اصطفاها على حواء وهي قبلها. واصطفاها على فاطمة - صلوات الله عليها - وهي بعدها. وهما من العالمين. وليس لقائل أن يقول: أراد بالعالمين نساء زمانها ففي زمانها عالم واحد. والعالمون في أزمنة تقدمت أو تأخرت. هذا وقد قيل في (كل) إنها تكون بمعنى الجمع تارة. وبمعنى البعض. وفسروا قوله