لعَمْرُك لو أصبحت في دار مُنقِذ ... لما ضيمَ سعد وهو جارٌ لأبياتي
ولكنني أصبحت في دار غربة ... متى يعدُ فيها الذئب يَعد على شاني
فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل ... فإنك في قوم عن الجار أموات
ودونك أذْوَادي فإني عنهم ... لراحلةٌ لا يفقدون بُنَيّاتي
سمع جساس تلك الكلمة الأخيرة فأصابت الوتر الأرَنّ من قلبه، فأجفل إجفال الأخيذة من تلك الوَصمةِ المنْدية؛ وصمة العجز عن حياطة بنيات خالته! فقال: اسكتي أيّتها المرأة فَلُيقْتَلَنّ غداً جمل أعظم عقراً من ناقة جارك ولم يزل يتوقع غِرة كليب حتى أنبئ بانفراده فاعتقل رمحه، وخرج للقائه. فلما أبصره طعنه، ودَقّ صُلْبهُ، وأبى عليه الماء أن يُبَلَغَهُ به. وعلى إثر ذلك ثارت حرب البسوس، وفيها استحرّ القتل باْلَحَّيين أربعين عاماً حتى كاد يلحقهما الدثور في أثرها وما عصفت بها إلا كلمةٌ واحدة كان خليقاً بها أن تذهب لحينها، لولا أن نَسَجَتَها امرأة، وحاكتها على امرأة.
ربما قلت أولئك سَرَوات القوم وهاماتهم، غضِب بعضهم لبعض، وهاج بعضهم على بعض، فتدافع العرب في مَسَاقسهم طَوَاعيةً لهم، وانسياقاً في أثرهم. فمثلهم في ذلك مثل عامة الفرس والرومان وأمم القرون الوسطى من أشرافهم.
على أن ذلك إن قيل فيمن سوى العرب من الأمم، فالعرب أجل وأعظم من أن يوصموا به، أو يكونوا في شيء منه.
إن شرف المرأة العربية حَلْقَةٌ مُفْرَغةٌ لا طَرف لها. ولئن تدافعت عامّة العرب في مَسَاق أشرافهم يوم البسوس، لقد تدافع الأشراف في مساق عامتهم