يوم الفِجار قريش وهوازن. وكان من أمر ذلك أن شباباً من كنانة أطافوا بامرأة من غَمار الناس في سُوق عُكاظ، فأعجبهم ما رأوا من حسنها، وسألوها أن تسفِر لهم عن وجهها. فأبت ذلك عليهم، فأخذوا يُعْنِتُونها ويسخرون بها، وهنالك نادت يا آل عامر، فلبَّتها سيوف بني عامر. ووقف بنو كنانة يدرءون عن فتيانهم. وهاجت هوازن لعامر، واغتمرت قريش في كنانة، وهنالك تفجرت الدماء، وتناثرت الأشلاء. ولولا حكمة بدرت من حرب بن أمية يومئذ لكان الخطب أفدح، والمصاب أطَمّ. فقد بين القوم فحسم ضغينتهم، واحتمل ديات قتلاهم.
لم تقف منزلة من الرجل عند حدّ حمايته لها، وسفك دمه دون البلوغ إليها، ففي ذلك ما عسى أن يشعر بشيء من رعاية المالك لما يملك، وما كذلك كان أمرهما. فقد كانا جميعاً على سواء، يتجاذبان الرأي، ويتساجلان المعونة، ويتآزران على نوائب الحياة. وإن من ضعف الأسلوب أن يقال إن العربي كان رفيقاً بالمرأة، عطوفاً عليها. فإن الرفق والعطف يُشعران بالضعف بين يدي القوة، على حين كان نصيبها من الحياة على قدر نصيبه منها، وقسطه من الإجلال والاحترام في قلبها على قدر قسطها في قلبه.
ففي العهد الذي كانت المرأة الرومانية تدين فيه بالعبادة للرجل وكانت تعتدُّه من دون الله إلها قهاراً: كانت أختها العربية في الذروة والسّنام من الحرية والمساواة لها ما للرجل وعليها ما عليه.