ثم أكد ما ذكره من سعده، وإظهار الله له على قصده، فقال، مخاطباً له: إذا كان ما تنويه فعلاً مستقبلاً، ولفظ المستقبل يشترك ما بين الدائم الذي لم ينقطع، والمتأخر الذي لم يقع، صار ذلك الفعل ماضياً بوقوعه منك، ومتصرفاً بتمكنه لك، قبل أن تلحقه الجوازم، فتثبته فيما لم يجب، وتدخل عليه فتخلصه لما لم يقع. وأشار بهذا إلى أن ما ينويه فالله ييسره له، وما يريده فالأيام لا تمطله به.
ثم يقول له: وكيف ترجي الروم والروس هدم هذه المدينة، وقد أسستها على الطعن الذي أعلمته فيهم، ودعمتها بالقتل الذي سلطته عليهم، فكيف يرومون هدمها، وهذه صورة بنيتها، وكيف يحاولون إخلاءها، وهذه حقيقة منعتها.
ثم قال: وقد حاكموها ظالمين، بما تعرضوا له من الحرب، وحاولوها متعدين، بما تكلفوه من الجمع، فما عاشوا مع ما حاولوه من الظلم لها، ولا مات ذكر هذه المدينة مع ما أرادوه من الخراب بها، بل نصر الله فيها سيف الدولة، فهزم جيوشهم، وأظهره عليهم، ففرق جموعهم.