للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم]

قال الشارح: [وقال أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى عن الضحاك: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور:٦٣]، قال: يطبع على قلبه فلا يؤمن أن يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه].

أي: يقول الكفر بلسانه فتضرب عنقه وهذا عقابه في الدنيا، وعقاب الدنيا سهل، ولكن المصيبة عقاب الآخرة، وكونه أظهر الكفر يدل على أن الكفر في قلبه فيموت كافراً فيكون خالداً في النار، وهذا أعظم من القتل، وهو المصيبة الكبرى.

قال الشارح: [قال أبو جعفر: أدخلت (عن) لأن معنى الكلام: فليحذر الذين يلوذون عن أمره ويدبرون عنه معرضين].

ذكر العلماء أن سبب نزول هذه الآية أن بعض الناس الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق اعتذروا بأعذار واهية يريدون أن لا يشاركوه في أمره فنزلت هذه الآية، ولهذا جاء فيها: أنه إذا استأذن المؤمنون لبعض شأنهم أمره بأن يأذن لهم ويستغفر لهم.

فحذرهم الله جل وعلا من ذلك أن يصيبهم العقاب العاجل قبل عذابه الأليم الذي يكون في الآخرة.

وإن كان سببها معيناً فالمقصود عموم اللفظ إلى يوم القيامة، فكل من صد عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن سنته أو حاول ذلك، فإنه يكون داخلاً في هذا الأمر ويخشى عليه أن يقع في هذا العقاب.

أي: يخشى أن الله يكره إليه الحق ويزين له الباطل فيصبح من أنصار الباطل ويصبح مضاداً للحق وكارهاً له، ومن كان كذلك فهو منافق النفاق الخالص الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار تحت الكفار نسأل الله العافية.

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (أو يصيبهم) في عاجل الدنيا عذاب من الله موجع على خلافهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم].

قال الصنف رحمه الله تعالى: [عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١] (فقلت له: إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ فقلت بلى، قال: فتلك عبادتهم)، رواه أحمد والترمذي وحسنه].

قال الشارح: [هذا الحديث قد روي من طرق فرواه ابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي.

قوله: (عن عدي بن حاتم) أي: الطائي المشهور، وحاتم هو: ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج -بفتح الحاء- المشهور بالسخاء والكرم].

قدم عدي على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع من الهجرة فأسلم، وعاش مائة وعشرين سنة.

إذا أراد الإنسان أن يتكلم عن الحديث فيجب أن يجمع الطرق ويطلع عليها ولا يجوز له أن يحكم على حديث ولم يستقص طرقه، كما يصنعه كثير من طلبة العلم اليوم أو كثير من المتسرعين فإنهم يقعون في الخطأ الفظيع، وهم بذلك على خطر شديد جداً؛ لأنهم يأخذون طريقاً أو طريقين -فقط- فيحكمون عليها ويقولون: هذا الحديث ضعيف أو موضوع! ويوجد هذا بكثرة، قد تجرأ أحدهم وكتب كتاباً سماه: (ضعيف كتاب التوحيد) ذكر فيه أحاديث موضوعة اعتماداً على طريق من الطرق، وهذا من الجهل، بل هذا من الخطر الشديد؛ لأن الواجب على الإنسان إذا أراد أن يحكم على حديث بعينه أن يحيط بالطرق التي روي بها، ولهذا تجد بعض الأئمة يذكرون أحاديث صحيحة عن بعض الرواة الذين ضعفوا، والسبب في ذلك أن هذه الأحاديث صحت عندهم من طرق أخرى، وإن كان هذا الراوي ضعيفاً لو انفرد به فإن ذلك لا يضر لوجود طريق أخرى صحيحة، فأثبتوا الحديث، والشيء الذي أنكر على البخاري وعلى مسلم هو من هذا النوع، ولهذا فالحفاظ الكبار حكموا بأن الحق مع البخاري ومع مسلم رحمهم الله تعالى.

وهذا أمر لا يمكن الاجتهاد به الآن، وإنما يذكر كلام العلماء في ذلك، وقد يبلغه شيء وتغيب عنه أشياء كثيرة، فإذا كان لابد أن يحكم فليقل: هكذا تبين لي في هذا، والله أعلم.