للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعقلون)]

قال المصنف رحمه الله رحمة واسعة: [وفي صحيح البخاري قال علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟)].

ذكر المصنف هنا أثر علي: (حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتريدون أن يكذب الله ورسوله).

وذكر العلماء أن سبب هذا القول من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن في وقته كثر القصاص، والذين يذكرون الحكايات التي يكون فيها غرابة، بل قد يكون فيها أمور غير معروفة، وقد تكون هذه الأمور الغريبة مأخوذة إما من التوراة أو من الإنجيل أو من الكتب الأخرى التي جاءت من عند الله ويكون أصلها حقا، ولكن عقول السامعين لا تحتملها، فنهاهم أن يحدثوهم إلا بالشيء الذي ينفعهم، والشيء الذي يعرفونه، وليس معنى هذا أنه يقول: لا تحدثوا الناس بصفات الله حتى لا يقعوا بالإنكار في الكفر، فإن هذا لا يقوله عالم يعرف الحق فضلاً عن أن يقوله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكتاب الله مملوء من صفات الله جل وعلا، وكذلك أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يحدث في المجامع بأحاديث الصفات، ولم يُحك أنه أنكر ذلك.

أما ما يروى عن الإمام مالك أنه كره أن تذكر الصفات عند عامة الناس فهذا لا يصح عنه كما قال العلماء؛ لأن الكتاب والسنة على خلاف هذا، وإنما المقصود في هذا الأمور الغريبة، مثل الذي يحدث في صفات الملائكة التي قد لا تستوعبها عقول كثير من الناس العوام، فلا ينبغي أن يُحَّدث في مثل هذه الأمور التي يستنكرونها؛ لأنهم إذا استنكروها وقعوا في محظور إنكار الحق إذا كان حقاً، ويكون ذلك نقصاً عليهم، وإذا تركوا على ما هم عليه وحدِّثوا بالشيء الذي يلزمهم من معرفة الله جل وعلا ومعرفة دينه فهذا هو الواجب، وهذا هو المقصود في الحديث، وليس معنى ذلك أن صفات الله جل وعلا تنكرها العقول، بل العقول تقر بها، وهي موافقة لما في الفطر، إلا أنه جل وعلا أعظم من كل شيء، وكلما يقدر الإنسان في نفسه من شيء فالله أعظم منه، قال جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧].

وكلما حدث للإنسان شيء من الأمور التي يستعظمها يجب أن يذكر هذا الآية، فإذا كانت المخلوقات كلها الأرض، والسموات، ومن فيهما يقبضها الله جل وعلا بيده وتكون صغيره بالنسبة إليه فكيف يمكن أن يوصف بشيء من أوصاف المخلوق؟! تعالى الله وتقدس: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧].