للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محبة الرسول من محبة الله]

قال الشارح رحمه الله: [ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من محبة الله، ومحبة المرء إن كانت لله فهي من محبته، وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله مضعفة لها، ويصدق هذه المحبة بأن تكون كراهيته لأبغض الأشياء إلى محبوبه -وهو الكفر- بمنزلة كراهيته لإلقائه في النار أو أشد، ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة، فإن الإنسان لا يقدم على محبة نفسه وحياته شيئاً، فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه بحيث لو خير بين الكفر وبين إلقائه في النار لاختار أن يلقى في النار ولا يكفر، كان أحب إليه من نفسه، وهذه المحبة هي فوق ما يجده العشاق المحبون من محبة محبوبيهم، بل لا نظير لهذه المحبة كما لا مثل لمن تعلقت به، وهى محبة تقتضى تقديم المحبوب فيها على النفس والمال والولد، وتقتضى كمال الذل والخضوع والتعظيم والإجلال والطاعة والانقياد ظاهراً وباطناً، وهذا لا نظير له في محبة المخلوق، ولو كان المخلوق من كان؛ ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة كان مشركاً شركاً لا يغفره الله كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] والصحيح أن معنى الآية: إن الذين آمنوا أشد حباً لله من أهل الأنداد لأندادهم، كما تقدم أن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلاً كما لا يماثل محبوبهم غيره، وكل أذى في محبة غيره فهو نعيم في محبته، وكل مكروه في محبة غيره فهو قرة عينٍ في محبته، ومن ضرب لمحبته الأمثال التي في محبة المخلوق للمخلوق كالوصل والهجر والتجني بلا سبب من المحب وأمثال ذلك مما يتعالى الله عنه علواً كبيراً فهو مخطئ أقبح الخطأ وأفحشه، وهو حقيق بالإبعاد والمقت.

انتهى كلامه رحمه الله].

يجب أن يفرق الإنسان بين محبة الله جل وعلا الواجبة له، وبين محبة عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة على المسلم، يجب عليه أن يقدم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة نفسه فضلاً عن محبة ولده أو أهله أو ماله، بل يكون أحب إليه من نفسه، وإلا لم يحصل له الإيمان الواجب الذي ينجو به من عذاب الله.

وهذه المحبة التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ليست هي المحبة التي تكون لله، بل هي محبة أخرى، وهي محبة لله وفي الله، وليست محبة مع الله، فإن المحبة مع الله شرك بالله جل وعلا؛ لأنها تكون محبة عبادة، محبة ذل وتعظيم، أما محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي حب لله، تحبه لأن الله يحبه؛ لأنه أحبُّ خلقه إليه، فيجب عليك أن تقدم محبة محبوبك على كل محبوب لك.

فأولاً تؤدي حق الله الذي هو العبادة، فتحبه المحبة التي هي عبادة لله، ثم تحب ما يحبه الله، ومن ذلك كون الله جل وعلا يحب رسوله؛ ولأنه صلوات الله وسلامه عليه هو السبب في حياتك الحياة الحقيقة، التي هي حياة الروح، وهي الحياة التي تتصل بالله جل وعلا لهذا وجب أن يحب أكثر من غيره لله وبالله وفي الله.

وهذا الحب الذي يكون لله وفي الله يكون مكملاً لمحبة الله جل وعلا ومتمماً لها، وليس هذا الحب مشاركاً لله في العبادة؛ لأن المخلوق لا يعبد، ولا يحب حب العبادة، وإنما يحب حيث أمر الله جل وعلا بحبه.

فهو بهذه النظرة يكون مكملاً ومتمماً لمحبة الله جل وعلا محبة العبادة، فهذا يجب أن يعلم، وأن يفرق بين محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبة الله.

ثم لهذه المحبة لوازم وعلامات، ومن لوازمها: تقديم قول الرسول صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد، ومن علاماتها: الحرص على اتباعه صلوات الله وسلامه عليه أكثر من اتباع غيره، بل لا يجوز اتباع غيره في أي شيء هو في الدين عبادة؛ لأن العبادة مبناها على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونهيه، فهذا الذي قد يغلط فيه بعض الناس.