للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خصائص اسم الله المعنوية]

قال الشارح رحمه الله: [قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لهذا الاسم الشريف عشر خصائص لفظية ساقها ثم قال: وأما خصائصه المعنوية فقد قال أعلم الخلق به صلى الله عليه وسلم: (لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، وكيف نحصي خصائص اسم لمسماه كل كمال على الإطلاق، وكل مدح وحمد، وكل ثناء، وكل مجد، وكل جلال وكل كمال، وكل عز وكل جمال، وكل خير وإحسان وجود وفضل وبر فله ومنه.

فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند هم وغم إلا فرجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنياً، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريدٍ إلا آواه.

فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنزل به البركات، وتجاب به الدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات، وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه أنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه حقت الحاقة ووقعت الواقعة، وبه وضعت الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، وبه عبد رب العالمين وحمد، وبحقه بعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور، وبه الخصام، وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سَعِد من عرفه وقام بحقه، وبه شقي من جهله وترك حقه، فهو سر الخلق والأمر، وبه قاما وثبتا، وإليه انتهيا.

فالخلق به وإليه ولأجله، فما وجد خلق ولا أمر، ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئاً منه ومنتهياً إليه، وذلك موجبه ومقتضاه: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٩١] إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى].

ذكر هنا: المعاني التي دل عليها هذا الاسم، ومن المعلوم أن البحث في أسماء الله وطلب معانيها من أعظم ما ينبغي أن يعتني به الإنسان، وهو الفقه الأكبر في الواقع، ليس قريباً من فقه الأحكام وأفعال المكلفين، بل هو أعظم من ذلك بكثير، والناس يتفاوتون عند الله جل وعلا بالدرجات بفقههم، ويتميزون بمعرفتهم لأسماء الله وأوصافه وعبادة الله جل وعلا وطاعته، وهذا الاسم -الذي هو الله- دل على العبادة، والعبادة خلق من أجلها الناس، كما قال الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، وأرسلت بها الرسل، كما ذكر الله جل وعلا في القرآن أن كل نبي يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، قال ذلك نوح، وقاله هود، وقاله صالح، وقاله إبراهيم عليه السلام، وقاله لوط، وقاله شعيب، وقاله موسى وعيسى، وقاله أيضاً خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: (لا إله إلا الله)، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، وهذا معنى كلام ابن القيم، يعني أنه دل على هذه العبادة -عبادة الله جل وعلا- الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، والعبادة وعدمها خلقت لأجلها الجنة والنار، وكذلك شرع الجهاد، جهاد الكفار، حتى تعلو كلمة الله، فهذا معنى هذا الاسم، حتى يكون عالياً على الأديان، وحتى ترفع درجات من يقاتل في سبيل الله ويقتل من أجل ذلك، وحتى يهلك من هلك، وعلى ذلك يكون الحساب يوم القيامة، وعليه يبعث الناس، وعنه يسأل المقبور في القبر، فإذا وضع في قبره أتاه ملكان يسألانه، أول ما يقولان له: من كنت تعبد؟ من ربك؟ ومعنى (من ربك) هنا: من المعبود من الذي تعبده؟ فإن أجاب وثبت عن اقتناع وإلا عذب في قبره، وكذلك الله جل وعلا أخبر عنه خلق السماوات والأرض بالحق، والحق الذي أخبر أنه هو كون العبادة له وحده، والملك له وحده، والسلطان له، وهو الذي يتصرف في كل شيء، وكل هذا تابع لكونه الإله جل وعلا، كما سيأتي أن أنواع التوحيد متلازمة، يلزم من الإتيان بواحد منها الإتيان بالبقية، فهذا معنى كلام ابن القيم رحمه الله.