للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرد على من يوجب على الله حقاً بالمقابلة

قال الشارح رحمه الله: [قال شيخ الإسلام: كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل، ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق، فمن الناس من يقول: لا معنى للاستحقاق إلا أنه أخبر بذلك، ووعده صدق].

الذين يقولون: إنه لا معنى لذلك إلا أنه أخبر به فخبره يقع هذا القول هو مذهب الجهمية والمرجئة، وكذلك اتباع أبي الحسن الأشعري الذين سلكوا مسلكهم، أما أهل السنة فلا يقولون ذلك، إنما يقولون: هذا الحق حق أحقه الله جل وعلا على نفسه، كما قال شيخ الإسلام، فالحق منه جل وعلا تفضل وإحسان وكرم، وليس حق مقابلة ومعاوضة كحقوق الخلق بعضهم على بعض.

ونصوص الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة في هذا؛ فإنه قال: (حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً)، فأثبت حقاً على الله جل وعلا لعباده، وهذا الحق على الله جل وعلا هو الذي أحقه على نفسه، وإحقاقه إياه تفضل وكرم وجود، ولا يوجد أحد يلزمه تعالى وتقدس بذلك.

[ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقا زائدا على هذا، كما دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧]، لكن أهل السنة يقولون: هو الذي كتب على نفسه الرحمة وأوجب على نفسه الحق لم يوجبه عليه مخلوق.

والمعتزلة يدعون أنه واجب عليه بالقياس على المخلوق، وأن العباد هم الذين أطاعوه بدون أن يجعلهم مطيعين له، وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب، وغلطوا في ذلك، وهذا الباب غلطت فيه الجبرية والقدرية أتباع جهم، والقدرية النافية].

المعتزلة لهم أصول خمسة غير أصول المسلمين الذين يتبعون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إن أصول المسلمين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذا الأصل الأول، الأصل الثاني: إقام الصلاة، والثالث: إيتاء الزكاة، والرابع: صوم رمضان، والخامس: حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، هذه أصول الإسلام عند المسلمين، أما هؤلاء الضلاَّل فإنهم جعلوا أصولاً خمسة بدل هذه الأصول جاءوا بها من عند أنفسهم، فقالوا: الأصل الأول: التوحيد، والتوحيد عندهم نفي الصفات، فصفات الله جل وعلا لا يثبتونها.

والأصل الثاني: إنفاذ الوعيد، ومعناه عندهم أنه يجب على الله أن يعاقب العاصي ويثيب الطائع، وهذه شريعة وضعوها على الله تعالى وتقدس، وهذا في الواقع من جهل الإنسان وظلمه؛ فإن الإنسان جهول ظلوم.

والأصل الثالث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقصدون بذلك الخروج على ولي الأمر.

والأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين، ومعناه أن الفاسق الذي فعل ذنباً لا يكون مؤمناً ولا يكون كافراً، بل يكون بين الإيمان والكفر، ولكنه إذا مات يكون في النار، وقد اتفقوا في مصيره مع الضلاَّل الآخرين الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالذنوب، فإنهم يجعلونهم كفاراً ويستحلون دماءهم، فاتفقوا مع الخوارج في حكم الآخرة، وقالوا: إذا مات فإنه يكون في النار.

وكل هذه الأصول باطلة؛ لأنها مخترعة من عند أنفسهم بالقياس والعقل الذي يزعمون أنه يحكم على شرع الله جل وعلا، وعلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.