للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنَّ موضوع الاستشراق ليس من الموضوعات التي تُطْرَقُ للمرة الأولى، وإنما تُطْرَقُ في العقدين الأخيرين على وجه الخصوص مراراً في مؤلفات، وكُتُب، ومحاضرات، ومقالات صُحُفية، وتحقيقات في المجلات والدوريات، ولكن النظرة إلى الاستشراق كانت تتغيَّرُ باستمرار حتى انتهت إلى الصورة التي يمكن أنْ تُعتبر واضحة في الأذهان.

فعندما كنا نطلب العلم في المرحلة الجامعية في مطلع الخمسينات كنا نستمع إلى آراء تتصل بالعقيدة، أو الشريعة، أو التاريخ، أو التفسير، أو الثقافة الإسلامية، وكانت هذه الآراء تطرح بلسان عربي من قِبَلِ أساتذة ينتمون إلى أُمَّتِنَا ويتكلَّمُون بلساننا، وكنا نظنُّ أنَّ الأقوال هي اجتهاداتهم في هذه الموضوعات المختلفة، لكن بعضهم كان أحياناً يعزو، فإذا ما عزا القول لصاحبه عرفنا أنه يتبنَّى رأياً لأحد الدارسين الذين كانوا يُسَمَّوْنَ دارسين غربيِّين، لكن معظم الآراء ما كانت تُعْزَى وهذا أخطر بالطبع، لأنَّ الأستاذ يتكلَّم وكأنه يجتهد في فهم النصوص فيوجِّهُهَا في حين أنه يكون قد درس كتاباً باللغة الألمانية أو الفرنسية أو الإنجليزية، وهو يحاضرنا من خلال ذلك الكتاب.

ومع مرور الأيام بدأت صورة الاستشراق تتَّضح وأبعاده تَسْتَبِينُ، ولكن بعض الدارسين يرى أنَّ ذلك لم يتم أو لم يصبح واضحًا في أذهان المُثَقَّفين من أبناء أمَّتنا إلاَّ قبل عقدين من الزمان فقط. ليس معنى ذلك أنَّ اسم الاستشراق ما كان يظهر على أَلْسِنَةِ الناس، وما كانت بعض أقوال المستشرقين المتداولة في الأوساط الجامعية وغيرها لتعرف بأنها أفكار وآراء استشراقية، ولكن معرفة أنّض الاستشراق ليس مشروعاً فردياً وإنما هو مؤسسة متضامنة متعاونة على اختلاف البلدان التي ينتسب إليها المستشرقون، وعلى اختلاف اللغات التي ينطقها المستشرقون، على اختلاف سياسات الدول التي ينتمون إليها تبقى المؤسسة من وراء ذلك تتَّسِمُ بصفات ثابتة في التعامل مع التراث الإسلامي.

منذ مائة وخمسين سَنَةٍ وحتى الوقت الحاضر يصدر في أوروبا بلغاتها المختلفة كتاب كل يوم عن الإسلام، هذه الإحصائية التي ننتهي إليها عندما نعرف أنَّ

<<  <   >  >>