هناك علامات للتهمة في التوبة، وعلامات لصحة التوبة، فمن علامات التهمة استمرار الغفلة، والتفات القلب إلى الذنب الفينة بعد الفينة، وتذكر حلاوة مواقعته.
ومن علامات التهمة الاطمئنان والأمان، حتى كأنه أعطي منشوراً بالأمان، فالعبد قد تاب، ولكنه لا يدري هل قبلت توبته أم لا، وهل محيت حوبته أم لا.
أما علامات الصحة فمن علاماتها: أن يستقيم العبد على طاعة الله عز وجل، كما قال الله عز وجل:{وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}[الفرقان:٧١]، فيكون حال العبد بعد التوبة غير حاله قبلها، فيستقيم على طاعة الله عز وجل، فالتوبة الصادقة هي التي يعقبها عمل صالح:{وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}[الفرقان:٧١].
ومن علامات الصحة كذلك: أن يستمر العبد على الخوف؛ لأنه يعلم أنه قد تاب، ولكنه لا يدري هل قبل الله عز وجل توبته أم لا، فهو على الخوف حتى تنزل عليه رسل تبشره بقول الله عز وجل:{أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:٣٠]، فهناك يزول خوفه.
ومن علامات الصحة كذلك: أن يتقطع قلب العبد كما قال سفيان بن عيينة في قوله عز وجل: {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}[التوبة:١١٠]، قال: تقطعها بالتوبة، والقلوب لا بد أن تتقطع إما بالتوبة في الدنيا، وإما يوم القيامة إذا حقت الحقائق وعاين الخلق ثواب المطيعين وعقاب العاصين.
ومن علامات الصحة: كسرة تصيب قلب العبد وتطرحه على باب الله عز وجل ذليلاً، ويكون حاله كحال عبد أبق من سيده بعد كثرة جناياته ومخالفاته، وهو يعلم أن منتهى سعادته في رضا سيده عنه، فأحيط به وأعيد إلى سيده، فما أحلى قوله عند ذلك: أسألك بقوتك وضعفي إلا رحمتني، أسألك بغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخائف الضرير، يا من ذل لك قلبه! وخشعت لك جوارحه! يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره فالبدار البدار إلى التوبة قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإيمان عملاً يجاوز الأمر فيه مجهود الأطباء واختبارهم، فلا ينفع بعد ذلك نصح الناصحين ووعظ الواعظين، وتحق الكلمة عليه أنه من أصحاب الجحيم.
فالتوبة التوبة قبل أن يأتيكم من الموت النوبة، فلا تحصلوا إلا على الخسران والخيبة.