من هذه المعاني الكريمة الشريفة العظيمة: أن المؤمن عزيز وأن الكافر ذليل.
لأنه ليس هناك مصدر للعزة إلا الله عز وجل، فالله عز وجل هو العزيز، قال تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر:١٠].
كان الإمام أحمد يدعو ويقول: اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك.
فالكافر ذليل وإن كان رئيساً وإن كان أميراً، كما قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، إن ذل المعصية لفي رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
بل كتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ بأن الذلة والصغار على من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجُعلت الذلة والصغار على من خالف أمري)، فكل من خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار والمنافقين والعصاة فهو ذليل، كل بحسب ما عنده من المخالفات.
فالمؤمن عزيز والكافر ذليل، ولما جهل هذا المعنى الإيماني عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق، وقال في غزوة المريسيع (غزوة بني المصطلق): {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}[المنافقون:٨] وظن أنه هو الأعز، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم -وحاشاه من ذلك- هو الأذل، لُقّن درساً عملياً تعلم به أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون، حيث أن ابنه عبد الله -وكان مؤمناً صادقاً- لما سمع هذه المقالة الفاجرة وقف على باب المدينة شاهراً سيفه والمسلمون يمرون من تحت سيفه، فلما أراد أبوه أن يدخل المدينة قال: والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى تعلم من الأعز ومن الأذل.
وقف له ولده وكان من أبر الناس بأبيه، ومنعه من دخول المدينة حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلم بذلك أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.