للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغثائية وعدم القناعة]

السبب الخامس: الغثائية وعدم القناعة.

الأمة الإسلامية تشكو من الغثائية، كم من الناس من يشهد أن لا إله إلا الله، لكنهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (غثاء كغثاء السيل)، بعد انتشار الصحوة أصبح يوجد نوع من الغثائية، يكون الشاب مثلاً له أخ مستقيم أو ابن عم أو قريب، أو نشأ في بيت محافظ، ويؤتى به إلى مثل هذا المركز ويرى العدد الكبير من الشباب الطيبين، وعندما يذهب ليصلي في الجامع يرى ذلك، وعندما يذهب إلى الحرم المكي أو إلى المحاضرات يرى عدداً كبيراً من الشباب الطيبين، فأصبح جواً عاماً، وسار مع الناس وليس عنده قناعة تامة، يعني ليس عنده تلك الرغبة القوية بحيث يشعر أن هذا الطريق لابد أن يسلكه، يشعر أن هذا هو ما أمره الله سبحانه وتعالى، ويشعر أن الطريق الآخر طريق ضلال وانحراف، وأن هذا لا خيار له فيه أصلاً، وهو لا يسلك هذا الطريق لأنه جالس مع فلان وفلان من الناس.

فعندما يكون مستوى القناعة عنده ضعيفاً وإنما يأتي عن عاطفة واستجابة لدعوة فلان أن يكون مع الأخيار، يكون عنده استعداد لأن يتخلى عن الطريق لأي مشكلة تعرض له.

وهنا لابد أن يكون عندنا قناعة، وأن نعرف أن القضية مستقبل، أنتم الآن اعتدتم أن تسمعوا من آبائكم ومن أساتذتكم وممن حولكم: يا بني أنت لابد أن تعتني بمستقبلك، فهو يدرس ويجتهد في الدراسة حتى يعتني بمستقبله، يريد أن يحصل على تقدير عال حتى يؤمن مستقبله، وهكذا يصبح هذا المستقبل هاجساً، بل يصبح أحياناً وللأسف وثناً، فهو يسترخص كل شيء لأجل هذا المستقبل، وما هو المستقبل الذي يتجه إليه الجميع؟ فعندما يقال: أمِّن مستقبلك ماذا تفهم من هذه الكلمة؟ تفهم من هذه الكلمة أنه يلزمك أن تحصل على مركز وظيفي أو مركز اجتماعي مرموق، وفي النهاية ستموت وترحل، الرجل الذي حصل على مركز اجتماعي عال مثل الرجل الفقير الصعلوك الذي لا مال له، سيرحلون جميعاً ولا فرق، فما هو المستقبل الحقيقي إذاً؟ المستقبل الحقيقي: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥]، هذا هو المستقبل الذي يجب أن نتطلع إليه، والذي يجب أن نرتب أمورنا وحياتنا على أساسه، يؤتى بالموت على هيئة كبش، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، الموت.

ويقال: يا أهل النار أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، الموت، فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.

نعم لا شك أن الشاب سيحرص على أن يؤمن له وظيفة، وأن يكون له مركز اجتماعي مناسب، ولكن المستقبل الحقيقي الذي يجب أن نسعى إليه، ونربط أمورنا كلها به هو هذا المستقبل.

إذاً: فأنت يجب أن تعرف أن طريق الاستقامة وطريق الالتزام ومعاشرة الأخيار ليست مجرد عواطف، ولكن القضية مستقبل، فتسلك هذا الطريق وأنت تعرف نهايته، وتسلك الطريق الآخر وتعرف نهايته.