للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خير الدين الورع]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: (الورع يا رجال الصحوة) عنوان حديثنا لهذه الليلة المتمة للنصف من شهر شوال، عام خمسة عشر وأربعمائة وألف للهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

الورع مصطلح، من منا لم يسمع عنه، إن من يقرأ في سير السلف أو يستمع إلى وصاياهم، أو يدرس سيرهم لا بد أن تتكرر هذه الكلمة على مسمعه كثيراً.

ويرى وهو يقرأ أنه يتحدث عن قضية تاريخية أصبح بيننا وبينها حجر محجور.

أصبحت قضية من قضايا التاريخ لا نكاد نراها، وحين نقرأ سير السلف وأخبارهم في الورع والزهد والرقائق، فإننا تارة نتهم أسانيد تلك الروايات بالضعف والبطلان، وتارة نتهم ما روي عنهم بالمبالغة والتشدد، وأخرى نتهم الراوي بالغلط والخطأ، لكننا نادراً ما نتهم أنفسنا، وأنها لم ترق إلى إدراك هذه المعاني، وأن قلوبنا لم تصح فعلاً حتى ترى بعين حقيقتها ما كان عليه أولئك من الخوف من الله سبحانه وتعالى، وأنه هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف السابقين.

وقدمت رجلاً وأخرت أخرى وأنا أريد الحديث حول هذا الموضوع، حتى إني وأنا أعد له وأقرأ عزمت على أن لا أتحدث حول هذا الموضوع، ليس تقليلاً من شأنه وأهميته، لكن ينبغي ألا يتحدث عن الورع إلا أهل الورع، وينبغي ألا يتحدث عن الصدق إلا الصادقون الخائفون المخبتون، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، لكن عزائي أن أقول لكم: اسمعوا مقالي، وإياكم وحالي! فالقضية أقوال وشذرات من سير سلف الأمة، نسعى إلى ربطها بواقعنا، نقولها لإخواننا ونحن جميعاً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الورعين المتقين الصالحين، وإن لم نرق إلى منازلهم فلنتشبه بهم: فإن من تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه بالكرام فلاح.